أَيْنَكَ ..يَا عَبدَ الْعَزِيزْ؟
محسن عبد المعطي عبد ربه
أَتَقَوْقَعُ دَاخِلَ نَفْسِي .
أُمْسِكُ زُجَاجَةَ الْمَاءْ .
أَطْمَعُ فِي أَنْ أَشْرَبَ جَرْعَةَ الْمَاءِ الْمُتَبَقِّيَةْ .
أُنَادِي ابْنَتِي صَبَاحْ .
أَطْلُبُ مِنْهَا أَنْ تَأْتِي لِي بِالْمَسْنَدْ .
ضَنِينَةٌ هِيَ الدُّنْيَا أَنْ تُزَوِّدَنَا حَتَّى بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ الَّذِي نَسْتَمِدُّ مِنُهُ السَّعَادَةْ .
إِذَا حَلَتْ أَوْ حَلَتْ وَإِذَا كَسَتْ أَوْكَسَتْ .
بِالْأَمْسْ .
كُنَّا فِي جَنَازَةِ أَحَدِ أَبْنَاءِ الْبَلْدَةْ .
وَسَمِعْتُ قَصَصاً كَثِيرَةً بِشَأْنِهْ .
حَدَّثَنِي شَابٌّ فَقِيرٌ أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ لِلْمُتَوَفَّى فِي تَلْقِيمِ مَاكِينَةِ ضَمِّ الْغَلَّةِ تِسْعَ سَاعَاتْ .
وَعِنْدَمَا انْتَهَى الشَابٌّ الْفَقِيرُ مِنْ تَلْقِيمِ الْمَاكِينَةِ قَالَ لَهُ عَمُّ عَوَضْ صَاحِبُ الْأَرْضْ .
اِذْهَب .
وَسَأُعْطِيك أَجْرَكَ بَعْدَ حِينْ .
وَانْتَظَرَ عَبدُ الْعَزِيزِ سَاعَاتٍ وَأَيَّاماً حَتَّى يَأْخُذَ عَرَقَهُ وَثِمَارَ كَدِّهِ فِي تَلْقِيمِ الْمَاكِينَةِ دُونَ جَدْوَى .
حَتَّى يَئِسَ عَبدُ الْعَزِيزِ مِنْ نَفْسِهْ .
وَمِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي جَعَلَتْهُ يَعْمَلُ لَدَى هَذَا الْمُزَارِعْ .
ذَهَبَ عَبدُ الْعَزِيزِ إِلَى الْمُزَارِعْ .
فَوَجَدَهُ يَجْلِسُ مَعَ بَعْضِ وُجَهَاءِ الْبَلْدَةِ الْأَشِدَّاءْ .
اِنْدَفَعَ عَبدُ الْعَزِيزِ قَائِلاً:
أُرِيدُ أُجْرَتِي .
رَدَّ الْمُزَارِعْ .
اِصْبِرْ .
سَأُنَغْنِغُكْ .
صَاحَ عَبدُ الْعَزِيزِ – فِي غَضَبْ - :
لَقَدْ مَلَلْتُ هَذِهِ الْكَلِمَةْ .
لَا أُرِيدُكَ أَنْ تُنَغْنِغَنِي .
قَالَ الْحَاجُّ وَحِيدْ:
مَالَكَ يَا بُنَيْ؟!!!
مَاذَا تُرِيدْ؟!!!
رَدَّ عَبدُ الْعَزِيزْ:
أُرِيدُ أُجْرَتِي .
وَمَا أُجْرَتُكْ ؟!!!
خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ جُنَيْهاً .
أَخْرَجَ الْحَاجُّ وَحِيدُ النُّقُودَ كَامِلَةً مِنْ جَيْبِهِ قَائِلاً:
"خُذْ يَا عَبدَ الْعَزِيزْ .
خُذْ عَرَقَكَ يَا بُنَيْ ."
لَا يَا عَمِّي .
أَنَا أُرِيدُ أُجْرَتِي مِنَ الْحَاجِّ عَوَضْ .
اِحْمَرَّ وَجْهُ الْحَاجِّ عَوَضْ خَجَلاً قَائِلاً:
"انْتَظِرْ .
سَأُحْضِرُ لَكَ الْأُجْرَةَ مِنَ الْبَيْتْ ."
وَذَهَبَ الْحَاجُّ عَوَضْ .
وَمَرَّ وَقْتٌ طَوِيلٌ وَلَمْ يَأْتِ .
مَالَ الْحَاجُّ وَحِيدُ – بِحَنَانِ الْقَلْبِ - قَائِلاً لِعَبدِ الْعَزِيزْ:
"خُذْ يَا بُنَيْ .
خُذْ عَرَقَكَ ."
وَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهْ .
فَهُوَ يَعْرِفُ كَيْفَ يَأْخُذُ النُّقُودَ مِنْ عَوَضْ .
يَا اَللَّهْ!!!
كَيْفَ حَجَّ عَوَضُ بَيْتَ اَللَّهِ وَيَأْكُلُ عَرَقَ الْأَجِيرْ؟!!!
تَذَكَّرَ عَبدُ الْعَزِيزِ هَذِهِ الْقِصَّةَ حِينَ وَفَاةِ عَوَضْ .
حَكَاهَا لِكُلِّ خَلْقِ اَللَّهْ .
مَاذَا أَخَذَ عَوَضُ مِنْ دُنْيَاهْ؟!!!
لَعَلَّ مَلَائِكَةَ الْعَذَابِ تَضْرِبُهُ الْآنَ وَتُعَذِّبُهُ عَذَاباً شَدِيداً .
جَزَاءَ أَكْلِ عَرَقِ الْفُقَرَاءِ فِي دُنْيَاهْ .
وَأَيَّدُ بَعْضُ أَبْنَاءِ الْبَلْدَةِ عَبدَ الْعَزِيزِ فِي خَرَابِ ذِمَّةِ عَوَضْ.
وَحَكَا بَعْضُهُمْ عَنْ عَوَضَ قِصَّةً أُخْرَى وَهِيَ :
أَنَّ نُورَ عَمِلَ لَدَيْهِ وَكَانَ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً قَدْرُهَا خَمْسُونَ جُنَيْهاً فَأَعْطَاهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ جُنَيْهاً فَقَطْ بِالْإِجْبَارِ وَالْإِكْرَاهْ .
يَا وَيْلَ عَوَضَ فِي أُخْرَاهْ .
وَهُوَ يُرِيدُ مَخْرَجاً لِلنَّجَاةْ .
فَلَا يَجِدُ إِلَّا مَا قَدَّمَتْ يَدَاهْ .
مِنْ أَعْمَالٍ سَيِّئَةٍ فَيَا بَلْوَاهْ!!!
فَهَلْ يَتَّعِظُ الْمُتَّعِظُونَ عِنْدَمَا يَأْتِيهِمْ عَوَضُ فِي الْمَنَامِ تَلْدَغُهُ الثَّعَابِينُ مِنْ كُلِّ اتِّجَاهْ .
آهٍ لِعَوَضَ ثُمَّ آهٍ آهْ .
اَلْأَوْلَادُ يَقْتَسِمُونَ تَرِكَتَهْ .
وَهُوَ فِي الْقَبْرِ يَرَى وَرْطَتَهْ .
وَغَضَبُ مَوْلَاهُ يَنْهَالُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ اتِّجَاهْ .
وَهُوَ يَئِنُّ فِي قَبْرِهِ وَيَصْرُخُ:
"وَاحَسْرَتَاهْ!!!
أَيْنَكَ ..يَا عَبدَ الْعَزِيزْ؟!!!
لِتُسَامِحَنِي يَا وَلَدَاهْ!!!
لَكِنَّ عَبدَ الْعَزِيزْ .
لَمْ يَكُنْ لِيُسَامِحَهُ
فِي دُنْيَاهْ .
أَوْ فِي أُخْرَاهْ .