زهرة المستقبل

سمية نعمان حسن مرعي

سمية نعمان حسن مرعي

الصف: العاشر الاساسي

كانت الأيام تمضي وكأن العالم ضئيل ولكن لا بد للحياة أن تظهر أشخاصاّ موهوبين يخوضون في أعماق الحياة ولا يتنازلون، وكانت سمر تقيم بقرية صغيرة في فلسطين في بيت يحمل في ثناياه الدفء والحنان وكانت تهوى كتابة الشعر منذ أن كانت صغيرة ولها في كتابته ذكريات جميلة وعندما كبرت وأصبحت في الرابعة عشر من عمرها  تيقظت إلى الدنيا فرأت أن العالم ملك لها تستطيع ان تحقق ما تحلم به.

 وقالت في نفسها : لا بد لي بأن أشعل أنوار الحياة أمامي وأن أحقق أحلامي، فراحت تبحث عن معانٍ جديدة وتكتبه بعبارات مثيرة وفي يوم جاءت المعلمة على الطالبات وقالت:

 مرحباّ يا فتيات  إن هناك مسابقة لكتابة الشعر ومن أراد أن يشترك بها فليأت إلي  كي أدون اسمه فهتفت الطالبات الأخريات إنها سمر فقالت المعلمة :

 هذا جيد إذن ابدئي بالكتابة منذ اليوم إن شئت ولا تنسي أن عنوان القصيدة هو "الأرض"، والإستلام بعد أسبوعين حظاّ موفقاّ.

 وفي ذلك الحين ابتهجت سمر كثيراّ لما سمعته فأرادت أن تخبر والديها بهذا الشأن وفي المساء عندما عاد والدها من العمل جلست وقالت :

أبي أمي أنا أريد أن أتحدث معكما بأمرٍ هام ولكن عداني بأنكما لن تغضبا مني

فأجابت أمها :

ولكن كيف لنا أن نعدك قبل أن نعلم ما الخطب ولكننا نعدك بأننا سوف نبقى ساكنين, فقالت:

أنتما تعلمان بأنني مهتمه بكتابة الشعر والقصائد وأنني لا أستطيع العيش دونهما واليوم قد شاركت بمسابقة للشعر وكم أرجوا من الله أن يوفقني بالفوز فدهشت أمها لما سمعته وقالت:

مهلاّ يا عزيزتي هل تودين حقاّ بالمشاركة بتلك المسابقة لا بل تحلمين بأن تصبحي شاعرة هل أصبت بالجنون فأجابت ابنتها:

أجل يا أمي أنا أود ذلك وسوف أبذل جهداّ لأنجز ما أريده فأعلمتها والدتها بأن عليها أن تواصل دراستها وأن تنسى كل ما كانت تحلم به وحتى المسابقة، فغضبت سمر وتوجهت إلى غرفتها حاملة بقلبها الشجاعة وحب المقاومة وبعد لحظات قليلة دخل أحمد "والد سمر"إلى غرفة ابنته وقال:

أعلم أنك تودين  الحصول على حياة لم يجرؤ أحد من القرية على تحقيقها ولكن لا تقلقي عندما يحين الأوان سأساعدك نعم سأساعدك حتى ولو وقفت أمك والعالم بأكمله أمام مستقبلك ولذلك لا تحزني كي لا تشعري بالسوء فربما يكون لك مستقبلاّ ناجحاّ فشكرت سمر والدها لما قدمه من  مساندة لها وعند خروجه من الباب استقبلته زوجته بقولها:

 

 اعذرني لما قمت به فابنتنا ما زالت صغيرة ولا تعرف مصلحتها، وذهبت دون أن تسمح لزوجها أو ابنتها بالإبداء عن رأيه ولكن لا بد للشجاعة  أن تسيطر على الماّسي والصعاب فصارت سمر تجلس مساء كل يوم تؤلف ما استطاعت وفي صباح يوم الإستلام خرجت سمر من غرفتها وتبدوا على وجهها ملامح الفخر لما أنجزته وبينما هي تنظر إلى الشعر الذي دونته جاءت إليها والدتها وطلبت منها أن تلقي نظرة على تلك الورقة التي بين يديها فرفضت فأخذتها منها عنوة وقامت بتمزيقها، وفي ذلك الحين شعرت سمر بتمزق فؤادها مع تمزق الورقة وصرخت في وجه أمها قائلة: ماذا فعلت يا أمي؟

 هل اطمأن قلبك حقاّ؟  ولكن أتعلمين شيئاّ أنت كلما تعترضين أسلوب حياة أشعر بأنني أبغضك وبعد ما حصل ذهبت سمر إلى حجرتها باكية وأغلقت الباب على نفسها  وأصيبت بالأسى ولم تخرج في ذلك اليوم من حجرتها وفي صباح اليوم التالي عندما استيقظت من النوم رأت أن من واجبها أن تكمل حياتها بالشكل الطبيعي وأن تبقى شامخة.

 فارتدت ثيابها وأعدت حقيبتها وخرجت إلى المدرسة  واستمرت على هذا الحال لعدة أيام دون أن تتحدث مع والدتها  وفي يوم الجمعة بينما كانت تستمتع في عطلتها جاءت أمها وطلبت منها أن تصفح عنها فأجابتها قائلة: أتودين حقاّ أن أصفح عنك بعدما أفسدت كل أحلامي، لا لن أفعل ذلك.

 فأرادت والدتها أن تبين لها سبب رفضها فمنعتها من التحدث وقالت:

هل ستخبرينني بأنني لا توجد لدي الموهبة الحقيقية أم أنني لا أجيد كتابة الشعر وأنك لا تودين أن أشيد قصوراّ في الهواء ولكنك على خطأ أتعرفين لماذا لأنني أواجه المشاكل وحدي وأكتب الشعر ولا تكترثين لأمري ولكنني بسببك أصبحت زهرة ذابلة ولن تعود مشرقة حتى تصل الى ما تريد.

 وكان كل ما بحوزة سمر أن تفعله هو أن تستمر في الكتابة إلى حين بلوغها الثامنة عشر وبعد ذلك فإنها ستفعل ما يحلوا لها فهي ما زالت تأمل بأن الحياة ستمنحها فرصة وبعد مرور أربع سنوات أتمت  سمر دراستها الثانوية بنجاح وها قد جاءت اللحظة التي ستنجز بها كل ما كانت تنتظره وفي ذات يوم جلست مع نفسها وبدأت تقول ها أنا الآن ترعرعت وسوف أدخل الجامعة ولكن ثمة أمر يجب علي أن أفكر به وهو كيف سأصل إلى ما أريد وبعد دقائق قليلة صرخت بصوت طفيف وقالت: ولكن يا الهي كيف نسيت ذلك لمَ لمْ أدرك أن هناك مواقع كثيرة على النت ترعى هذه المواهب وتنشر ابداعاتها فتواصلت مع مؤسسة وأخبرتهم بأن لديها موهبة في كتابة الشعر والنثر ولكنها لا تستطيع الذهاب إليهم لظروف خاصة فطلبوا منها أن ترسل لهم قصيدةّ من قصائدها ففعلت وفي اليوم التالي وجدت أنهم يريدون مقابلتها في أسرع وقت  فأصيبت بالرعب في ذلك الحين فكيف ستذهب دون علم والدتها وإن فعلت فماذا ستقول لها وبعد دقائق قليلة بدأت تحدث نفسها بقولها:

ولكن لم أنا مرتبكة وتظهر ملامح الروع على وجهي فأنا لم أفعل شيئاّ سيئاّ لأنني منذ صغري وأنا أبحث عن وسيلة توصلني إلى العلا وربما قد جاءت وعلي أن أستغلها وفي الصباح ذهبت إلى أمها وأخبرتها بأنها تود الذهاب إلى منزل صديقتها فقبلت    فأعدت مجموعة من قصائدها وفي تمام الساعة الحادية عشر خرجت من المنزل وعند وصولها المؤسسة قام الموظفين باصطحابها إلى مكتب المدير فدخلت وقالت:مرحباّ يا سيدي أنا أدعى سمر الفتاة التي كانت تراسلكم فأجابها ولكن لم أنت واقفة هيا اجلسي فجلست فقال:

أنت تعلمين بأنني أهتم بكل الشباب والشابات الذين تنمو مواهبهم وقدراتهم مع نمو أجسادهم وأنت واحدة من هؤلاء فعندما قرأت شعرك شعرت بالطمأنينة فهو يبدو من واقع الحياة وكما أنه جميل أيضاّ ولذلك سوف أقوم بنشر بعض القصائد لك فكما يبدو أنت لا تحتاجين للتأهيل.

 فقالت سمر :أنا أشكرك من أعماق قلبي على مساعدتك لي وسوف أبذل جهداّ مضاعفاّ كي أكسب ثقتك بي.

 وعند عودتها إلى المنزل قامت بإخبار والدها عن كل ما حدث فابتهج لسماع ذلك وقال: أنا حقاّ أتمنى لك ذلك ولكن عليك الآن ألا تخبري أمك ومن الأفضل أن يكون كل ما سوف تحققينه هو مفاجأة لها وسترين أنها ستسر لسماع ذلك فأجابته :أنا أعلم يا أبي أن كل ما تفعله أمي هو فقط من شدة حبها لي وأدركت الآن أنها لم تسيء إلي فحتى لو شاركت بالمسابقة في ذلك الحين  فإنني لن أفوز لانه لم يكن بحوزتي المهارة الكافية لذلك وأنا ممتن لها على كل ما قدمته لي وبعد مرور ثلاثة أيام استيقظت سمر على سماع صوت الهاتف فمضت كي تجيب عليه وإذا برجلٍ يقول: صباح الخير يا سمر.

 فلم تعرف أن ذلك الرجل هو سمير "مدير المؤسسة" فسألته عن اسمه فأجابها: ألم تعرفينني أنا سمير 

فقالت:عذراّ يا سيدي لم أنتبه إلى رقم الهاتف 

فقال: لا عليك فأنا أعلم أنني أتصل في وقت باكر جداّ ولكنني أردت أن أخبرك أن اليوم سوف يصدر أول ديوان لك فلم تصدق ما سمعته وبدأت تسأله:أحقاّ ما سمعته فأجابها:

أجل, فقالت:  أنا لا أعرف كيف اشكرك .

وبعد انتهاء المكالمة بدأت سمر تصرخ بسعادة فاستيقظ والديها على صوتها ظناّ منهم أن شيئاّ قد أصابها متجهين إلى غرفتها فأخبرتهم بما جرى وعندما سمعت أمها لم تبادلها السعادة كما فعل والدها بل جلست على الكرسي الذي كان بجوارها وقالت:

هكذا إذن قمت بإخفاء الأمر عني ظناّ منك أنني سوف أمنعك ولكنك لو أخبرتني لكنت أملت لك الخير فأخبرتها سمر أنها كانت تود أن تثبت لها موهبتها وأنها تستطيع الإعتماد على نفسها  ولكن أمها قد اكتفت بنعتها بالكاذبة وتوبيخها.

 وكان من الممكن أن تكون سمر في ذلك الحين في غاية السعادة ولكنها جلست وانهمرت في البكاء فقال والدها لها :لا تحزني يا ابنتي فسترين أنه سوف يأت يوم تطلب فيه أمك منك أن تصفح عنها وستأسف على كل ما فعلته .

فأجابته:

ولكن يا أبي أنا كل ما أريده هو أن تبقى أمي بجانبي وأن تحبني كما أنا أحبها لا أن تشعرني بالملل والغضب في اليوم الذي تمنيت أن أحيا لأجله والذي انتظرته بفارغ صبري ولكنني منذ الآن لن أستمع إلى ما تقوله لي وسأكرس نفسي ووقتي لدراستي وموهبتي وإن أرادتني حقاّ كابنة لها فلا مانع لدي.

 وفي اليوم التالي اتصلوا بها من برنامج كي يستضيفوها لديهم على التلفاز فلم تمانع فأخبروها بأن تأت إليهم في الساعة التاسعة مساءاّ   وعندما صارت الساعة في تمام الثامنة والنصف خرجت هي ووالها من المنزل وعند وصولهما قاموا باصطحابها إلى غرفة التصوير وأول سؤال قد طرح إليها هو كيف استطعت أن تصبحين شاعرة فقالت:

على المرء أن يستغل كل نعمة أنعمها الله عليه وأن يمارسها ويتقنها وأنا قد سعيت كثيراّ حتى وصلت إلى ما أنا عليه الآن وكل هذا هو بفضل الله ثم السيد سمير فهو من روى زهرة فلسطينية جافة وأعادها إلى الحياة فطلبت منها المذيعة أن تلقي شيئاّ حزيناّ الذي ربما يعبر عن الكثيرين من الناس فقالت:

في كل يوم في كل ساعة يمتلئ قلبي بدقات الأمانة أشعر أنني أحتاج للضمانة التي فقدت منذ سنوات بالإهانة .

لا يوجد إهانة لا يوجد إزعاج...لا يوجد شيء إلا الألم يستوطن قلبي ويرحل ويأت ثانية من جديد ليقتلني وينته الأمل.

الأمل والحب موجودان في قلب قد انتهكيه الأحزان لا للحزن.. لا للدموع دمعة تخرج

من العين وتنتشر في باقي الجسد فأين الحياة التي تسير في دم البشر. 

وعند عودتها إلى المنزل شاهدت أن أمها مستلقية على الأرض أمام التلفاز باكية طالبة من ابنتها العفو فذهبت إلى أمها وجلست إلى جانبها وقالت:

  لا يا أمي ليس عليك أن تخضع لي بل على العكس تماماّ أنا من علي أن أقدم اعتذاراّ لك لأنني لم أطيع أوامرك فقامت سمر بمصافحة والدتها وتقبيلها وهكذا عادت العائلة كما كانت يملؤها البهجة والسعادة والالفة.