البحث عن شيء ما

البحث عن شيء ما

ناديا مظفر سلطان

انطلقت القافلة تجد السير في سباق دؤوب مع جيوش الظلام الغازية .

صاح أحدهم : أرجو أن لا يطول بنا المسير.

رد آخر: عسى أن نعثر على غايتنا بسرعة ، ثم يمضي  كل منا لشأنه.

مضى وقت ليس بالقصير ، والقافلة في سيرها الحثيث .

تعثر أحدهم فوقع على الأرض ، ما لبث أن هب واقفا ، وهو يقبض على حفنة من النقود. صاح بصوت يخنقه الانفعال :

ذهَبْ ، والحقُ أقول ، إنه ذهَبْ ...

انضم إليه بعض أفراد القافلة ، وقد أخذت الفرحة بهم ، علت صيحاتهم ، وأخذوا يتراقصون طربا.

لابد أن هنالك المزيد من الذهَبْ ، سنمكث هنا حتى نعثر على بقية الكنز .

هزَ أحدهم رأسه أسفا ، وهتف بهم : ولكن يا أصحابي ، نحن لم نخرج بحثا عن كنز ّ!

ولكنه ذهبْ ،أيها الأحمق ! ألا ترى بريقه الذي يكاد يخطف الأبصار رغم حلكة الظلام؟

يا قوم ! قد خرجنا نبحث عن شأن أعظم ، وغاية أسمى ، ولابد أن نبلغ غايتنا ونحقق هدفنا

- دعنا وشأننا ، سنمكث هنا حتى يشرق الصباح ، فنعثر على بقية الكنز.

- أجل ، اذهب ، فإننا هاهنا قاعدون!

تخلف عن ركب القافلة بعض أفرادها ، بينما مضى الباقون يتابعون سيرهم ، لا يلوون على شيء.

أرهقهم السرى ، وكاد أن يفتك بهم الجوع والعطش .

تناهى الى سمعهم حفيف أوراق الأشجار، وخرير مياه منسابة ، فهرع الجميع إلى الواحة 

ظل ظليل ،وماء نمير ...قطاف دانية ، ومياه جارية ، إنه النعيم حقا ، هتف أحدهم بغبطة

انضم إليه البعض ، وهو يفترش مكانا تحفه الأشجار.

-ولكن يا قوم ألا تذكرون لم كان خروجنا ؟ إننا لا نبحث عن كنز نغتني منه ، ولاعن مقعد نرتاح إليه .

- لقد تعبنا من المسير، ومللنا من البحث عن المجهول .

وافقه آخر :لقد نسيت لم كان خروجنا.

-اذهب ، إننا هاهنا قاعدون .

لم يتبق في القافلة إلا بضعة من أفرادها ، أوغلت المسير ، رغم أفول النجم و حلكة الظلام ووحشة المسير في طريق غريبة ، مريبة ، مقفرة  .

ازدادت وطأة الجوع وعتمة الليل وغربة البحث عن المجهول،  حتى لكأن السرى لن ينقضي أبدا

كاد أحدهم أن يهوى أرضا ، تلقاه صديقه  فضمه  إلى صدره ببعض ما تبقى لديه من قوة ، انضمت إليهما القلة الباقية  .

تماسكت أيديهم المرتجفة ، تلاحمت أجسادهم المرهقة ، اختلطت زفراتهم الحرى ، تمازجت دموعهم المنسكبة .

حشرج أحدهم بين دمع وآهة :دعونا إذن نموت واقفين .

رد صديقه  :يكفينا فخرا أننا لم نتخلف لمقعد أو نفتن بمال .

أجابه آخر بصوت تخنقه العبرات : نعم  يكفينا فخرا أننا بقينا إخوة مخلصين ، لم نسلم بعضنا ، ولم نخون أمانتنا ، ولم نيأس من روح الله.

انبثق على حين غرة ، نور كريم واعد ،آت من الشرق.

تناهت إلى سمعهم زقزقة عصافير تعلن مولد صبح بهيج

لاحت لهم مآذن تعانق السماء ، وكنائس يلفها الغمام .

صاح أحدهم بصوت استيقظ فيه الرجاء فأمده بالعزم :

يا للعجب! إنها قريتنا التي خرجنا منها!... لقد عدنا إليها !!!

رد إخوانه ونشوة الفوز تملأ  صدورهم :

بل عادت إلينا ضالتنا التي غابت عنَا منذ وقت بعيد.