حكاية جارة
حكاية جارة
أبو علاء الحلبي
( الحلقة الأولى)
أم ضرغام جارة جديدة زارت جارتها ( أم فالح ) في العمارة المجاورة لتتعرف عليها.
أم فالح : أهلاً وسهلاً بجارتنا الجديدة
أم ضرغام : ألف أهلا وسهلا بأحسن جارة
أم فالح : أين كنت تسكنين في الماضي ؟
أم ضرغام : في حارة الذئاب
أم فالح : لم أسمع بهذه الحارة سابقاً ... أين تقع ؟
أم ضرغام : تقع خلف حارة الكفن الأسود
أم فالح : معنى ذلك أنك من حارة المزبلة
أم ضرغام : لقبت بحارة الذئاب لأن شبابها أبطال مثل الذئاب
أم فالح : لم أسمع بأن الذئب يحمل صفة البطل
أم ضرغام : معذرة منك ياجارتي , يبدو أنك لا تعرفين أخبار الناس .
أم فالح : أنا قرأت بالمدرسة البطل يوسف العظمة البطل إبراهيم هنانو
أم ضرغام : كل شيء تغير في الكون , البطل هو الذي له أنياب وأظافر.
أم فالح : لكنني هكذا قرأت
أم ضرغام : العلم ينمو ويكبر , الخروف يكبر ويصبح تيسا ً
أم فالح : أسمع الناس ... يقولون : الدنيا صندوق عجائب
أم ضرغام : لا تتعجبي .. الذئب هو البطل ..
أم فالح : ممكن .. ممكن
أم ضرغام : ستسمعين مني كل زيارة أموراً جديدة لم تقرأيها
أم فالح : لكنني لن أنسى القديم
أم ضرغام : عيونك سوف تجعلك في المستقبل تنسين القديم
أم فالح : هل ستخدعني عيوني ؟
أم ضرغام : ماسمعت أم كلثوم وهي تغني يا ظالمني
أم فالح : ماهم عمل زوجك ؟
أم ضرغام : رجل أعمال
أم فالح : مامعنى رجل أعمال ؟
أم ضرغام : تاجر
أم فالح : بأي شيء يتاجر ؟
أم ضرغام : يتاجر بأشياء.. لا أعرف تسميته
أم فالح : من أي بلد يستورد بضاعته ؟
أم ضرغام : بضاعته صناعه محليه , زوجي يكرهه الاستيراد من البلاد الافره .
أم فالح : البضاعة الأجنبية ربحها كثير..
أم ضرغام : زوي عنده قناعه , ويحب أن يأكل لقمته بالحلال.
أم فالح : معنى ذلك زوجك عنده دين ..
أم ضرغام : هو لا يصوم ولا يصلي , لكن يده لا تفارقه المسبحة .
أم فالح : ماذا يقول عندما تكون المسبحة في يده ؟
أم ضرغام : كلام رجال حارة الذئاب , كلام أبطال , يصعب على النساء فهمه .
أم فالح : أين دكان زوجك ؟ أو مكان عمله
أم ضرغام : زوجي شعبي لا يحب العظمه والمظاهر
أم فالح : لم أفهم شيئا ً
أم ضرغام : عند تقاطع الشوارع المظلمة
أم فالح : ألا يخاف من الظلام ؟
أم ضرغام : ضاحكة .. هو أبو الظلام
أم فالح : إنني في حيرة ودهشه من كلامك ياجارتي , ماذا يعمل ؟
أم ضرغام : عنده بسطة . يبيع عندها فستق عبيد
أم فالح : مستغربه من وراء الفستق العبيد اشتريتم هذه العمارة
أم ضرغام : الرزاق هو الله.
أم فالح : معنى ذلك .. أن كل بائعي الفستق العبيد في الشوارع يملكون عمارات سكنية
أم ضرغام : ضاحكة يصوت صاخب ، وبصوت خافت . هذا عمله الظاهر. له عمل آخر، يبدو أنك بريئة وطيبة ، لا تزعلي مني ..( أنتي على البركة )
( الحلقة الثانية )
أم فالح : أنا أعرف بالبيع والشراء ، بلا مؤاخذة كلامك غير مفهوم .
أم ضرغام : الدنيا تبدلت، الأرض انقلبت على بعضها
أم فالح : زوجك يعمل بالمخدرات
أم ضرغام : أعوذ بالله زوي رجل شريف لا يحب الضرر بالناس
أم فالح : إذا"هل زوجك يعمل بالسحر ؟
أم ضرغام : السحرة هم أعداء الله
أم فالح :ماذا يعمل ؟ ماذا يعمل ؟
أم ضرغام :يعمل بالخطف .. يعمل بالخطف .
أم فالح : ببراءة . واستغراب.. ماذا يخطف ؟
أم ضرغام : يخطف الأشرار من الناس
أم فالح: كيف يعرف زوجك الأشرار؟
أم ضرغام : زوجي عنده حاسه الشم قوية
أم فالح : أين يضع زوجك الأشرار؟
أم ضرغام: الكلام بسرك ، وأنا اطمأننت لك ، وسأجعلك مثل أختي، يضعهم في المستودع في مزرعته..
أم فالح : ماذا يعملون في المستودع ؟
أم ضرغام : ضاحكة يتسلون بأصوات الدجاج ، ويلعبون مع الأرانب
أم فالح : إقامة الأشرار في المستودع متى تنتهي ؟
أم ضرغام: مدة الإقامة بيد أهل الأشرار .. حتى يتطهر الأشرار من الأذى ، لابد من دفع المال حتى يسامحهم الناس .
أم فالح : ماذا يأكل الأشرار في المستودع ؟
أم ضرغام : عليهم لعنة الله ، يأكلون مع الدجاج والأرانب
أم فالح : أين يشاهد زوجك الأشرار ، هل لهم أماكن يلتقون بها
أم ضرغام : يتم التقاطهم من الشوارع المظلمة ليلا"
أم فالح : كيف يتم التقاطهم ؟
أم ضرغام : بالضرب ، وبالقوة .
أم فالح : لم أفهم شيئا".
أم ضرغام :ياجارتي .. كأنك لا تعيشين على الأرض ولا تسمعين الأخبار . سأشرح لك كلامي أنت امرأة غشيمة معذرة .. أريد أن أقول بريئة
أم فالح : عاشرت نساء كثيرات ، وقريباتي بالمئات،كلمات التخاطب بينهن واضحة ومفهومة
أم ضرغام : سامحيني على كلامي .. سأشرح لك . يعمل زوجي مع ثلاثة شباب قبضايات من حارة الذئاب مسلحين بالبنادق والمسدسات . وأحيانا" يذهب ابني ضرغام ويساعدهم .
أم فالح : لماذا البنادق والمسدسات ؟ هل سيستعدون لمحاربة اسرائيل؟
أم ضرغام : الأشرار هم عملاء اسرائيل؟
أم فالح :من قال لك ذلك ؟
أم ضرغام : زوجي . عرف ذلك من الأموال التي يملكونها ، وذلك أكبر دليل .
أم فالح :هل كل من يملك مالا". نقول أنه شرير؟
أم ضرغام : زوجي يقول أن كل من يملك مالا"، هناك شك حوله
أم فالح : نسيت أن أسألك ، هل الشوارع المظلمة مأوى للأشرار
أم ضرغام : الظلام يسهل عمل زوجي مع ( زلمه)؟
أم فالح : كيف يتم التعرف على الأشرار في الظلام ؟
أم ضرغام : الأمر بسيط سأشرحه لك ، توقف سيارة الشرير بالقوة ، وتهديده بالموت، إذا لم يترك سيارته، أخيرا"يركب الشرير مع الشباب في سيارتهم أو أخذ الشرير من أمام ( فيلته )أو معمله ، والسيارة وما تحتويه تعطى هدية للجمعيات الخيرية في حارة الذئاب .
أم فالح : لماذا حارة الذئاب ؟
أم ضرغام : زوجي يحب الخير، ولا ينسى أصله، وفقراء حارته في قلبه .
الحلقة ( الثالثة )
أم فالح : في كل يوم زوجك مع زلمة يلاحقون الأشرار
أم ضرغام : زوجي لا يريد اتعاب نفسه، يعمل على الرواق وعلى المضمون، وحسب مزاجه
أم فالح : ماذا يعمل زوجك في أغلب أيامه
أم ضرغام: كماقلت لك:يبيع فستق عبيد، لكن عيونه تراقب كل حركة في الشارع ، ودائما"يضع بسطته قرب بيت أحد الأشرار
أم فالح : كلامك ياجارتي يذكرني بالأفلام البوليسية
أم ضرغام : ضحكت .. ونظرت إلى التلفزيون وقالت ، يارجاتي لماذا التلفزيون عندكم قديم
أم فالح: التلفزيون قديم اشتريناه منذ عشرين سنة وهو جيد ولم نأخذه عند المصلح حتى الآن
أم ضرغام: إنني أحببتك ياجارتي ، زوجي أتى بشاشتي تلفزيون،كل شاشة كأنها شاشة سينما ، ركبت واحدة في بيتي ، والثانية سأقدمها لك هدية.
أم فالح: لماذا هذه الهدية ؟ وماهي مناسبتها ؟
أم ضرغام : زوجي لم يدفع ثمن الشاشتين .. أخذهما هدية من سيارة شاحنة تحمل شاشات لتاجر يبيع التلفزيونات.
أم فالح : ابنك ضرغام .. ماذا يعمل ؟
أم ضرغام: يساعد أباه أحيانا"..وهو طال جامعي سنة أولى أو ثانية في كلية التاريخ .
أم فالح : ابني ضرغام أصيل ، ابن أبيه، نخوة شباب حارة الذئاب في رأسه ، عمله لايعيبه ، العمل ضد الأشرار شرف .
أم فالح : ربما عمله يؤخره عن دراسته.
أم ضرغام: حدث منذ أسبوعين ، ابني ذهب إلى الجامعة، شاهده عميد كلية التاريخ، أمام قاعة المحاضرات ابني كان يحيط برأسه أربطة بيضاء نتيجة لصراعة مع الأشرار، استغرب العميد من حاله .. وعندما سأله عن اسمه، عرف أباه،وقال لضرغام : إنك ناجح في كل مواد الفصل الدراسي ، لأن أباك هو أبو التاريخ
أم فالح : ماعلاقة الجامعة بزوك
أم ضرغام : الناس يدرسون التاريخ ليفهموه، زوجي يصنع التاريخ.
أم فالح : كبف يصنع زوجك التاريخ ؟
أم ضرغام : فهمت من زوجي أن الأبطال يصنعون التاريخ وفق مقاسهم ، مثلما يعمل الخياط يعمل ثوبا"يلائم جسم الزبون .
أم فالح : لم تذكري لي ياجارة عن باقي أولادك؟
أم ضرغام : آه.... آه... بسؤالك فتحت لي جراحي
أم فالح: سلامتك ياجارتي، أنا لاأريد إزعاجك.
أم ضرغام : مصيبة حلت بي ، ولا أريد أن أتذكرها . كان عندي بنتان وصبي ، تتفاوت أعمارهم، الصبي كان أصغر أولادي ، في غفلة من أختيه، كان يلعب في قنابل يدوية موجودة في الغرفة، انفجرت القنابل وقتلت أولادي .
أم فالح : مصيبتك كبيرة، كان الله في عونك
أم ضرغام: إنني حزينة ، ذكرى أولادي تبكيني
أم فالح : ماأثر المصيبة على زوجك
أم ضرغام: زوجي .. قلبه مثل الصخر..أعتبر أولاده شهداء
الحزن سيطر على أم ضرغام ، واتهت نحو الباب لوداع جارتها .ساد صمت رهيب .. وكأن البلاط يئن تحت وقع كعب الحذاء .. وتلاشت الأصوات رويدا" رويدا".