وجهٌ للخطيئة
وجهٌ للخطيئة
عامر القديري/ فلسطين
في غرفة مجاورة, عاد يغزل آخر مشهد الحكاية بأجزائه الخمسة، لم يكن يعلم أنها نقطة البداية التي ستسير به إليها، وعنوان البيت فراشة لا تغادر، كي لا يضل الزائرون..
وبين زمنيه/ها كان لا بد أن تنتهي الزيارة، حيث الفراغ قد استفشت أطرافه، وبسط رداءه الصامت.
جلس أمامها فرأى وجها ناصعا البياض، يتشح بالحزن، يحتضن عينين زجاجية، غسلتهما الدموع، وثغرٌ فاغرٌ ينم عن جرح غائر طفولية المظهر، طيبة حد الضياع، تريده بكل اندفاع..
جلسا في غرفة وثيرة، نظرا حولهما كل شيء يدعوهما للارتخاء للوجد فلم يجدا سوى حدودا ضيقة تجمع شمل المتناثرين، حاورها بعيون شاردة، تتماهى مع قلبها الحزين، وفي زاوية وفي ظل ضوء شاحب,اخذ يردد تهاويم الموت والضياع، وراحت بكل جوارحها تستمع حكاية لا أصل لها، وتقاوم وحوشا طرأت على أنفاس باردة، لم تعهد منها سوى حنان رغيد.
تحت السماء أرض خافتة، يسكنها مجانين، لا يرتبطون بهما، فهما يريدان أن يعقلا شيئا واحدا، أن يريا ثمرة الانتظار الطويل..
ساهما بين عذابات ماضٍ قاهر لكل وليد، أخذه إلى حدود المستحيل، فيئد أفكاره العذرى دون مجابهة، ولا يترك خلفه دليل.. وتكرر اللقاء في أكثر من مكان
وفي حقل بعيد, احتضنته وهي تعلم كم ستفقد.. لم يكن هناك عيونا ترصد هفواتهما، وفي نفق غائر تحت وجه الأرض، وباءا بما لم تحتمله البشر، وتخلصا من عذاب هول ٍ قادم..
تكور بطنها شاهد عليها.. قالت:
- نحن نعلم أن هناك حكيم، لا يدع مسألة تشغل السائلين.
قفز أمامها مناديا مستنكراً؛
- هيا فلندرك ما نريد.
وصلا ..
وقفا أمامه، أومأ بيده، فبدآ الحديث ..وبعد أن استمع أشار عليها:
- أن اتخذيه بعلا ً، وانتظري الوليد ..
والتفت إليه
- عليك إطعام فقير وإيواء يتيم، وعودا بعد حين ...
جحظت العيون وخرست الألسن، وولياَ مدبرين.
***
الصبح ضياء، والبدر رابض تحت الأرض، وصفاء الشمس هزيل..طفلٌ يصرخ ينادي، ولا أم تجيب..
خرج من البيت ينوي على شيء ، ناقم الصدر، ممتلئ الفؤاد، رآها في منامه تثقلها الآثام، تنتقم منه ، لم يعد يحتمل رائحة الذنب، تذكر كم تفانى في إخلاصه، حتى بعد أن جرحته بإهمالها، وتهكمها من فشله، سأم وهو يدور في لا جدواه، وقد شاخت أفكاره قبل أن يهرم...
لم يجدها حيث يريد، لم يتوقع أن تشتم رائحته وهو مقبل عليها، وجد آثارا ً خلفتها، أمسك مرآتها، فرأى شبحا تتهدل منه خيوط بالية، هارب من ماضٍ أحاط كوامنه، وألقى به في لحظة عصيبة..
تطارده، في هروبها، تنتقم منه في خوفها، تعذبه في ضعفها، ففي كل يوم يبحث عنها، يفقدها من جديد.