العادة شهريا
أبو محمد خليل
نزل الخبر على أهل المدر و الوبر كالصاعقة، و انتشر كالنار في الهشيم. تناقلته الألسن، ثم تداولته الرسائل القصيرة. صار حديث الناس في مجالسهم و موائدهم و سمرهم. أرعب النساء قبل الرجال. الكل يتساءل أ نحن في حلم أم في يقظة؟ الكل يريد الحقيقة الضائعة بين كثرة الرواة المتناسلين تناسل الفطريات. ماذا حدث؟ ماذا جرى؟ أي جرم ارتكب في حق السماء ؟ ما هذه البلوى التي قضت مضاجعهم. ضاعت الأجوبة في تزاحم الأسئلة.
ربنا لا تؤاخذنا بم يزعمه السفهاء منا، دعاء مافتئت تردده حناجر المصلين في صلواتهم.
فهم لا يكادون ينسون مشكلة أو مصيبة، إلا و نزلت عليهم أخرى، أ هذا قدرهم؟
إنهم في حيرة من أمرهم، تحسبهم سكارى وما هم بسكارى. خبروا شائعات و طرائف عديدة، لم تنل منهم و لم تؤزهم أزا. إنما هذه زلزلتهم وأفزعتهم، أربكت حساباتهم، خلخلت أفكارهم، بعثرت أوراقهم .كادوا يفقدون جادة صوابهم.
اتصل الأقارب من أصقاع العالم جميعها، بغية التأكد من صحة قصاصات الأخبار، التي أوردت الخبر على صفحاتها الأولى و في نشراتها، تحت مسميات شتى: خبر مثير، خبر عاجل، آخر الأخبار، عِشْ نْهارْ تَسْمَعْ خْبارْ ....إلخ.
تشابهت الروايات، قال الله عز و جل: ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون ).
كيف يهتدون و قد التبس عليهم الأمر. إشاعة أو طرفة الأمر سيان، تقول القصاصة: رجل يشتكي من العادة... لا حول و لا قوة إلا بالله، استغفر الله العظيم.
كثر اللغط و الضجيج، فانقسم الناس إلى مستهجن و مستنكر و مستغرب. و ذهبوا مذاهب شتى:
نفر يرى أن الأمر لا يعدو عن إثارة الفتنة، و البلبلة في صفوف المؤمنين و زعزعة عقيدتهم.
فئة ذهبت إلى حد اتهام سلطات البلد وراء هذه الضجة المفتعلة، قصد در الرماد على المشاكل التي يتخبط فيها العباد و البلاد.
ثلة منهم تعتقد أنها لا تخرج عن دعابات مجنون البلد و طرائفه، التي اعتاد تسريبها بطريقته الخاصة، للتعبير عن هموم الحياة و مصاعبها.
خضع المجنون للمساءلة، من قبل أحدهم:
- ما حملك على مثل هذا القول؟
- قصمت المصاريف ظهري.
- و ظهورنا نحن احدودبت بثقلها، و هذا ليس بجديد.
- نعم. لكن ألا ترى أن الأمر استفحل في الآونة الأخيرة، و صرنا نهاب نهاية كل شهر؟
- كلامك صحيح و الحق معك، كوتنا الأسعار بلهيبها، وحر نارها.
- جميل، هأنت تشاطروني. و لا أجانب الصواب إن زعمت، أننا نحن معشر الرجال، لا نختلف عن النساء في العادة شهريا.
- استغفر الله العظيم. ماذا تقول أخي الكريم هل جننت؟ آه نسيت من تكون أيها المجنون.
- هب أخي إني كذلك؟ فأنا لم أقل العادة الشهرية. قلت العادة شهريا.
- آسف و الله، لم أنتبه إلى ذلك، لكن أمرك غريب. هلا وضحت لي أكثر.
- الأمر بسيط. أ لا تشتكي من غلاء القفة، كل نهاية شهر؟
- صحيح، كأن الله أعلمك.
- أ لا تتهاطل عليك فواتير الماء ، الكهرباء، الهاتف،.... كل شهر؟
- كفى أخي، تحدثت و كفيت.
و أخيرا انقشعت سحابة صيف، و ذهب الزبد جفاء. و انفجرت فقاعات الصابون، و بطل العجب بمعرفة السبب. فغرق الكل في كركرة متواصلة، و هم ينصتون إلى مجنون المدينة، يفك طلاسم هذه الإشاعة ذات مجاهل متعددة.
و أخيرا عادت الطمأنينة إلى الساكنة، و استرجعت المدينة هدوءها، بعد عاصفة هوجاء أوشكت تدميرها. و حمد الجميع الله على أن الأمور مرت على خير.