جامعي وميض الياسمين
أشرف أحمد غنيم
أطفال بلادى يرسمون طرق الأسفار ، ولا يصدقون ما فى الكتب المدرسية أو المدرسين ، فهم يكذبونهم وينهرونهم ويسخرون من كلماتهم دوما.
ينضم الصغار بسرعة خاطفة بعد مهرجانات حقول أعواد الذرة الناهضة فى الصفوف الممتشقة طازج يخضورها ، ومشاتل الأرز وذهب القمح المضموم حصاده ..... إلى محطة التلاقى حين يصل طرف قبة السماء تماس سبيله بحافة الأرض ، إننا نراهما فى تطابق صورة واضحة ، عند سيرنا على طريق الترعة الكبيرة.
- ليتنا نلضم مخيطهما بمسلة أجولة الحبوب .
يستخدمون التبن فى الأجولة درجات عليها يتم الرقى ، يتمسكون أحيانا بذيول اليعاسيب.
حين يأسرونها الصيادون منهم من قمم أطراف الأعشاب على ضفاف الترع ، يرشقونها "بالأشبرة " - سلخة واهنة من الحطب - فى مؤخراتها ، ويديرون مراوحهم حولها قبل الاقلاع إلى التحليق ، ويدركون الفضاء المدجج بأكاليل الوميض غير المستعار وغير المقترض على ضفاف أنهاره ، حين ينعكس على ظلمة صفحة مياه الترعة يظلل الفضاء نضحه ، فطَفَا حَبَابُ الريح وراقص المشهد ، واوراق السحب تجوب الفضاء لترتشف الرياح .
*******
رؤية بعضهم المعترضه ، أن يستلقوا ضوء القمر ولا يشيرون بنظرهم إلى جهته المحجوبة ، يحدقون فى خرائط وميض الياسمين المتناثر فى الظلمات ، ويتحاشون الشهب لحظة الإنقضاض وتشظى التفتت ، ترتج الأصوات جنبات أقراب صدورهم فيطلقونها قذائف يعتقدون أنها تنبت وميضا رائعا ، لكن الأشياء المستقبله تمتصها بنهم وتزيدها صمتا .
- لابد أن نقضى الأماسى فوق مراسى السحب ونقطف أكبر قدر من وميض الياسمين
- قبل إنقشاع الغبش
- نعود ببعض النجوم قلائد على الصدور
فلن يخبئنا ضوء النهار ، ليس بالمرة دار لها باب أو جدار
- أنا جربته وكان ...............
ولا يمكننا الهبوط على أهداب الشمس (أو أوراق الأشجار فى خباء الظليل)
- كم مرة تسحق هوية ظليل الأشياء فى إنقداح ضحاها.
الأجيال السابقة سافرت فى الطائرات الورقية .
- لكنها ماتت كما تقول الكتب
- عباس إبن فرناس لم يمتطى الفضاء عبر الطائرات الورقية
- لما تذكرون الكتب وتنسون الحقيقة
- كم سافر أبى على أجنحة الحمام
- حمامنا
- لا ....... بالحمام المصاد فى أقفاص الصغار حين يضعون فيها الحب ، ويهبط ليس كزائر بل للإلتقاط .
*******
لكنهم فى هذا الجو الحار اقترح أحدهم إنهيار جدران الفراغ وخاف ، والآخرين حين فتح لهم أبواب الوصول ، هموا يخطفون السحب فى سيالتهم ، وآخرين شاطروا جامعى الياسمين ، وتجذبهم مشاهد يفرجون فيها عن ومضاته قبل أن يجمعونها كيف تدبر وتقبل ، مفتتحها إنبساط بتلات الورود ، وإنقباضها ليس ذكرى وميض الماضى ، يشعرون أنها تشرع بإنبثاق حوريات جميلات ، حتى زادت العتمة وأستباحات نزوح عجائز القرى وإقالتها هناك وهم يمتطون السحب ، ولا يتحاشون الخوف ، يحدقهم الأولاد مشدوهين .
- إنها كراسة فارغة من الكتابة إلا هذه الرسومات الجذابة .
- ثمارها الكريز ........ مشارفها أحواض اللبان فى الحلاوة .
- ورائحتها فوح الليمون
- لابد من وضع وميض الياسمين فى حجرات ظلماء لتفقس حوريات تتقن الطيران إلى سواحل بلاد الجان المرصعة أرديتهم بالزبرجد والياقوت .
حاولوا شم أنفاس الكرى ، لم يفلحوا ، الأرض مندثرة لاترى .
لكنه مع رغبة الصعود لأعلى بإمتطاء درجات سمكت بجوار قرميد السماء ، المعد لتزلق الملائكة الكرام ، لم يفلحوا تخطى حذر العبور إلى بهو الفضاء ، حيث قصور مدن الملائحكة ولباتها الفضة بجوار الذهب ، عكست الشمس ضوءها عليهم وثورة متمردى السحب ، وإتحاد وميض الياسمين فإمتلأت الدنيا من حولهم بنور شفاف غمر كل الأشياء فكشفهم ، حتى وصل الأرض ، وأيقظوا هلعها اليومى .
فتساقطوا كأوراق الخريف خوفا من بحث آبائهم عنهم فوق أسرتهم ، تفزعهم معاقبة تحية العلم بدأها وعليهم اللحاق بالطوابير التى تقلهم للفصول .
لكن فى الليلة التالية هل يجمعون وميض الياسمين مرة أخرى؟! بطريقة مرتبة ومختلفة .
قال لهم مدرس لأول مرة يرونه اليوم وحكاياتهم تملأها الضحكات : كم يراعة أمسكت يا ولد .
- يراعة ؟!
- نعم ....... ألم تطر بالليل وتمتطيها وهى تلمع كالنار!.
- نعم ...... ولكنه وميض وليس نار
- ألم تروا ْحُبَاحِبِ مُغْمَدَاتِ الأَجْنِحَةِ ، مُضِيئَةٌ ِاللَّيْلِ.
- لا ..... ففى الفضاء الكثير ما تطاير من شَزَر النار والهواء من تصادُم الحجارة
- ألم يُضيءُ ذنَبُه! لكى تخطئه خشيتك .
لم يجب سوى تواصل صمتهم ، وحين حلت الليلة الموعودة استعد الأولاد بكل ما أوتوا بقوتهم وعواطفهم ، ليشاهدون الجديد كذلك اليراع الفضائى لأول مرة ، لكن آباءهم جمعوا ذكور البط البلدى "المدجج باللحم" من الأسواق حولهم ، وذهبوا إلى شيخ الخفر يترجونه إخفاء الأمر عن العمدة وهو يمتنع عن الرضوخ ، دون إستثناء إعفاء جميع أسماء أبناءهم من دفاتر المدرسة ، ففرح الأولاد بالكون فى حقيقة ضباب السحب ومسامحة فراغهم من ثقل واجبات المدرسة ، والتفكير الجدى فى طرق تسلقهم الفضاء أو رؤية النقطة الفعلية لتلاقى قبة السماء بحافة الأرض للهبوط منها على أى من البروج بعد قليل ، لكنهم أفاقوا يلسعهم حرور الحقول عمال أجراء يمتلكهم من يدفع.