غصون الوجع

لطفي بن إبراهيم حتيرة

لطفي بن إبراهيم حتيرة

[email protected]

غصون لا تشبع لا تكلّ لا تملّ ولا تهدأ كالجحيم تظلّ مستعرة ملتهبة.. هي العطش الدّائم هي الجوع الأبديّ السرمديّ وكيف يشبع من كان طبعه الجوع.. تلاحق الرّجال في إدبارهم وفي إقبالهم.. تقلّبهم وتقلبهم ثمّ تقبّلهم وتركبهم.. تحملهم في أحضانها وتحرقهم بأنفاسها ثمّ ترضعهم من ثديها..  هي الشهوة وهي الإشتهاء والرّغبة والجموح والجنون والفناء.. غصون محطّة للمسافرين السّاهرين الجائعين والحالمين.. هي إستراحة للمتعبين الفارّين المكبوتين.. تلتقط الرّجال كما تلتقط حبّات العنب وتقطفهم كما تقطف التوت الأسود الذّي كانت تعشقه عشقا غريبا.. كانت هوّة سحيقة تسكنها.. هوّة لا قرار لها كلّها شبق وعبق وعرق.. غصون كانت تشرب الرّجال كما كانت تشرب القهوة السوداء وتشتهي الفراش كما تشتهي السيجارة و الجلوس على المقاهي في أواخر اللّيالي ثمّ الجحيم والنّوم في العراء..

 غصون لا ترتوي نظراتها عطش.. لفتاتها تنادي.. كلماتها تناغي وتناجي وتدعوك بسحر وعجب..

كم رجالا أحيت فعاثوا في جسدها وحرثوا أرضها وسقوا ترابها وتمضمضوا برحيق عسلها ثمّ تركوها ورحلوا ولمّا جاءها من أحبّها وأراد أن يحييها قتلته وضحكت من قلبها لأنّه كان مجنونا بحبّها.. مسكين شرب من عين سبقوه إليها الرّجال فشربوا حتّى ارتووا و سبحوا وتسابحوا وغطسوا حتّى لمسوا قاعها

وامتصّوا رواءها فلم يجد في أرضها غير ماء آسن وجدب وعفن فجلس يبكي ويبكي حتّى سقط.. مسكين أحبّها جنونا فعبثت ولهت ثمّ تقول له..

  - ما ضربك أحد على يديك!؟..   

نعم " إلّي جاباته رجليه العصا ليه" أنا أستاهل.. هكذا كنت تقول..

 وشرب النّدم حتّى ثمل وتجرّع الألم حتّى قتله الغمّ والهمّ.. حذ ّروه ونصحوه وسمع منها ورأى بأمّ عينه.. كم طعنته.. كم جرّعته السمّ الناقع وكم قتلته وهو ينام بجانبها.. ماضيها ماض وحاضرها ماكن

ومستقبلها باين!. قالت له يوما..

  - إنّهم وصلوني؟؟؟..

كيف وصلوها؟ لم يسألها ولا يدري لماذا لم يسألها ولم يطلب منها ما معنى ذلك؟.. صارت تلك الكلمة نعشا يحمله معه أينما حلّ وأصبحت قبرا مفتوحا يناديه في كلّ لحظة وحين.. وصلوها.. قبّلوها.. داعبوها و حضنوها ولعبوا بخصلات شعرها ومصّوا ثديها ونزلوا إلى سرّها.. وصلوها.. نامت معهم وحرثوها وفتحوها وختموا عليها بأختامهم ثمّ طبعوها..

  - إنّهم وصلوني؟؟؟..

ماذا بقي لك؟.. وصلوها قبلك.. فتحوها قبلك.. شربوا من العين وهي صافية وتشرب أنت وهي آسنة..

أيّ شرف لك؟!.. أيّ رجولة وأيّ مروءة لك بعد هذا وهي تقول لك.. 

  - ما قالّك حدّ خذني ما غصبك حدّ وضربك على يديك؟!..

مسكين حبل المشنقة في رقبته يتدلّى والخنجر في ظهره يكاد يمزّقه.. لا عودة ولا هروب إلاّ الواقع المرير والحاضر الأليم.. عشت متألّما وتعيش ألما وتحيى في ألم وعدم..

  غصون كتبت لك وأنت كتبت لها فعش ما كتب لك....!.