لا أدري..!
محمد منذر الشعار
قيل إن نبي الله عيسى عليه السلام، كان ماشياً في طريق، فرأى رجلاً، فسأله الرجل أن يصحبه في تجواله، فرضي عيسى عليه السلام، وسارا.
وكان مع عيسى عليه السلام ثلاثة أرغفة، فوصلا إلى محل الراحة، بعد السفر المتعب، فجلسا، وقام عيسى عليه السلام إلى نهر قريب، فسرق الرجل في غيابه رغيفاً من ثلاثة أرغفة، ولما عاد عيسى عليه السلام افتقد الرغيف، فسأل عنه الرجل، فقال:
- لا أدري.
فأكل كلّ رغيفاً، وهما الباقيان، ثم مر خشف، والخشف: ولد الظبية، كما هو معروف، فدعاه عيسى عليه السلام فجاء الخشف يسعى راضياً، مفارقاً أمه وأخاه، مع أن الغزلان طبعها النفور، ولكن للأنبياء معجزات. فلما جاء الخشف ذبحه عيسى عليه السلام وشواه، وأكله مع الرجل ثم قال للخشف الذي أكل، يعني لبقاياه وعظامه: قم بإذن الله، فقام الخشف حياً كما كان يسعى نحو أمه، وقال عيسى عليه السلام للرجل: أسألك بالذي أراك هذه الآية: من أخذ الرغيف؟ فقال الرجل: لا أدري.
فسارا، متابعين رحلتهما، حتى وصلا إلى نهر يعترض طريقهما، ولا يمكن قطعه، إذ لا زورق ولا ملاحين، وهو عريض فالسباحة فيه غير مجدية. فسمى عيسى عليه السلام بالله ثم مشى على الماء، وقال للرجل: اتبعني، فتبعه الرجل يمشي – مثله - على الماء، كأنه اليابسة. حتى وصلا إلى الشاطئ الآخر. فقال عيسى عليه السلام ثانية للرجل:
- أسألك بالذي أراك هذه الآية: من أخذ الرغيف؟ قال:
- لا أدري!
فمشيا.. حتى وصلا إلى أرض ترابها ناعم، فجلسا، وكوّم عيسى عليه السلام من التراب ثلاث كومات، ثم، بإذن الله، حولها إلى ذهب، ورأى الرجل ثلاث كومات من الذهب الخالص أمامه. وقال عيسى عليه السلام للرجل: هذه أثلاث: لي، ولك، ولصاحب الرغيف.
فقال الرجل فوراً: أنا صاحب الرغيف. أنا أخذته، وكنت حين سألتني عنه أخجل من مصارحتك.
فذهب عيسى عنه.. وترك له الذهب كله، بأثلاثه جميعاً. وفرح الرجل، وقال: نعم ما فعل نبي الله، فالذهب الآن كله لي.. وبنما هو في فرحه إذ مر به رجلان.. ورأيا الذهب.. وبدا على وجوههما الشر. فقال الرجل:
- لا تنويا ضرّي، نحن ثلاثة، فكلّ يأخذ كومة. فرضيا، وجلسا، فقال الرجل:
نحن جياع.. ألستما جائعين؟ فليذهب أحدنا إلى المدينة، فليأتنا بطعام، فنأكل، ثم نفكر كيف ندخل بالذهب المدينة، ونبيعه. فرضيا، وقام أحدهما إلى المدينة، فلما خلا بنفسه، في الطريق، وفي أثناء شرائه للطعام، قال:
- لماذا لا أسمّ رفيقي وصاحب الذهب، وآخذ الذهب كله وحدي؟
وفعلها.. سمّ الطعام الذي اشتراه، بسمّ وحيّ (أي سريع الأثر)، وأقبل عليهما وكان رفيقه، مع الرجل صاحب عيسى، قد ائتمرا بينهما وعزما أيضاً على قتله واقتسام كومته.. فلما وصل قاما إليه فقتلاه.. ثم أكلا، فماتا.. وبقي الذهب كما هو.
ومر عيسى عليه السلام، مع بعض أصحابه، فرأوا الذهب، والجثث، فقال عيسى عليه السلام:
- هكذا الدنيا تفعل بأهلها، فاحذروها.
وقد رويت هذه القصة، لاسيما أواخرها، بعدة روايات، ولكن هذه أصلها، قصة عيسى عليه السلام، مما رواه المسلمون عن أهل الكتاب مما قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم) فهو من المباح، وإن بعض ما روي عنهم حدّث به نفسه صلى الله عليه وسلم، فهو من الحق الصريح، والخبر اليقين، والحديث الشريف.