التصريح بالممتلكات

أبو خليل عبد السلام

التصريح بالممتلكات

أبو خليل عبد السلام

[email protected]

كنت كلما اتصلت بصديقي بكى و اشتكى، خصوصا مع إطلالة فصل الربيع، فصل الدفء و الطبيعة بامتياز.

حرت في أمره، و حاولت معرفة سبب هذا الجرح، بيد أنه كان دائما يتحجج بأعذار واهية ويعدني وعد عرقوب. الحق انشغل بالي به، فأجهدت نفسي لعلي أجد سر كآبته وتأففه حيال هذا الفصل الذي تتوق إليه النفس البشرية، أولم يقول ربنا الكريم: و لمن خاف مقام ربه جنتان ذواتا أفنان.

أي مرض أصاب الرجل، أي مصيبة حلت به؟

ما اشتكى يوما من أي مرض عضوي، و أعرف الرجل حق المعرفة فلا نوائب الدهر و لا نوء البحر تزعزع إيمانه و ورعه.كيف دب اليأس إليه و هو الذي خبر صروف الحياة و أهوالها ؟

عددتها واحدة تلو الأخرى: هموم الحياة و مشاكلها مستحيل، فهو شخص متزن و ابن عائلة. ضيق ذات اليد مع ازدياد تكاليف الحياة، لا لا يمكن لقناعته وكفاف أن يعادله أحد. الجانب السياسي، أقل ما يمكن تصوره، فالرجل يكره النفاق و تقاسم الأدوار.

قلت في نفسي لا بد من عيادة الصديق، و حسنا فعلت.

كان اللقاء حارا بإحدى المنتزهات. فاتحته في الموضوع مباشرة.

قلت: لا حجة لك الآن فاحك قصتك يا أخي.

حاول التهرب و التحجج بدعوى  لكل مقام مقال. أعدت السؤال بصيغة أخرى :

ما يضيرك من هذا الفصل، أهو يسبب لك الحساسية؟

رد قائلا: لا يا أخي أعشقه و أرتقب قدومه على أحر من الجمر.

عجيب أمر ك أخي أنت متناقض في أقوالك.

لا ليس هناك تناقض، هي فئة من بني جنسنا تلوث نقاوة هذا الفصل و طهارته، بتصرفاتها الرعناء. إنها تتسارع إلى التصريح بممتلكاتها الخاصة و أين ؟ في أماكن عمومية.

و ما في الأمر أخي عبد الستار؟ و الله هذا عمل جليل و جميل جدا. أخيرا بدأت تهب رياح الديمقراطية و نسائمها على بلادنا.

صرخ في وجهي : أي ديمقراطية تتحدث عنها يا هذا ومن فتح سيرتها؟

نسيت حساسيته المفرطة تجاه هذه الكلمة، و حاولت تدارك الأمر و تهدئته:

أخي أ ليس هؤلاء أكثر مروءة و وطنية ممن يتنصلون من التصريح بما يملكون رغم أن القانون يلزمهم؟

لا أختلف معك في الفئة التي تقصد أنت، أنا أحدثك عن آدميين لا يحلو لهم القيام بذلك إلا في أماكن عمومية بدل أماكن خاصة و معلومة.

التبس علي الأمر: أماكن عمومية، أماكن خاصة، الممتلكات الخاصة حرت في أمري.

رنا إلي صديقي مشفقا، هكذا خلت، و أدرك أن حبل التواصل انقطع بيننا. و هم أن يفهمني قصده بالواضح المكشوف.و في هذه اللحظة تناهت إلى مسامعنا زفرة شيخ وقور كان يجلس غير بعيد عنا و تبعها يقول:

حسبي الله و نعم الوكيل و لا حول و لا قوة إلا بالله، حسبي الله و نعم الوكيل.....

فالتفت إليه و وقعت عيناي على سبحة الشيخ، كادت تنفلت من يديه المرتعشتين، وأجساد مخلوقات بشرية في صفة آدميين قادمة في اتجاهنا.غضضت من بصري و أنا أتمتم:

اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض و استرنا يوم العرض.

ربت صديقي على كتفي و نحن نهم بالانصراف، و أحسست بعودة حبل التواصل بيننا، بعد أن رأى أني أبصرت بعينيي آخر تصريح بالممتلكات.