مفتاح صول

شيماء اعبيدو

عاد الى المنزل ... هو وقطيع من الخيبات برفقته ؛ يجر أذيال الخسارة وكلمات الرفض لا زالت تداعب مسامعه ؛ بنفسية مهزوزة و قسمات توحي بانه قد بلغ عقده السادس بينما لا يزال في ربيع العمر .. حاملا اوراقه التي كان يمني النفس بان تشفع له بعمل في احدى الشركات .. 

تنفس الصعداء و دخل غرفته ؛ واضعا يده على فم قلبه كيلا ينفجر بكاءً ... فهو الذي يعيش عالة على امه و اخواته الثلاث ، منذ ان توفي والده وهو يبحث عن عمل ليعيل اسرته ؛ فإذا به يصبح عالة عليهم جميعا .. فالام تشتغل أما احيانا و خادمة بدوام كامل ؛ و الاخوات كذلك ما عدا الصغرى التي لا زالت ترتاد الجامعة ، في انتظار تخرجها كي تلتحق بفوج البطاليين هي الاخرى هذا ان وجدت مكانا شاغرا او تنخرط ضمن حزب المفروغ من امرهم و المغضوب عليهم .. داخل مجتمع يعريه الفساد و تكسوه المظاهر ...

هو رجل البيت الآن ، كرس والده كل حياته ليعلمه بكل ما اوتي من مال و جهد ، فإذا به اليوم و بشهادته الجامعية و طموحه الذي يكاد يتلاشى .. يجلس متأملا كسوف احلامه ،هو الذي كان دوما يعد نفسه بان تجلس احلامه على عرش الحقيقة وتصفق له هو اليوم يتربع على عرش الحسرة يراقب عناق خيباته في سماء غرفته ، و تساقط نغمات احلامه من صولفيج حياته ... 

تدخل الام حاملة في يدها كوب شاي و رغيف خبز مع بعض الزيت و العسل .. يقوم من مكانه وكله خجل ، متهالك الخطى كالمصاب برصاصة في خضم الحرب ..يستقبلها ككل يوم بنفس الكلمات التي ترسخت في اللاوعي " لماذا تتعبين نفسك يا امي " ترد عليه بصوت ممزوج بحس الدعابة ؛" خذ ما قسم الله لك يا ابني ولا تكترث لامر العمل ، نستطيع تدبر انفسنا بما تبقى من مصروف لهذا الشهر .. قبل يدها ، و خرجت تاركة إياه وحيدا يطل من نافذة غرفته المظلمة على عالم افتراضي رسمه في خياله ... هو كائن خيالي يهرب من الحياة الى الاوهام ولا يرى ضيرا في ذلك ، فالحياة لم تكن عادلة معه يوما ، بل كانت تصفعه كلما سنحت لها الفرصة .. كانت دوما تسقيه رشفة من الغم و الهم لذلك اعتاد ان ينساق وراء الاوهام بحثا عن ضربة حظ ، حتى لو كانت وهمية ...

كثيرا ما تمنى لو أن السعادة كما الحظ تباع مكعبات ليوزع دزينات منها على احبته ويضع منها في كؤوس اليائسين امثاله ، تاركا لنفسه مؤونةة تكفيه العمر كله ... ولكن حتى في الخيال لم يكن ذلك ممكنا ، فليس لاحلامه من جيوب تمكنه من اقتناء سعاة وهمية .... 

سرعان ما استفاق من احلامه و اوهامه المنتهية الصلاحية ، ليتنفس ثاني أوكسيد كربون الواقع الذي يخنقه يوميا .. لوهلة عادت به الذكريات ، كما الامواج بين مد و زجر اعادته الى شاطئ ايام منصرمة .. ايام كان حلمه الاكبر هو التخرج كان حينها يظن ان من يحمل شهادة ، كمن يحمل سلاحا يدافع عن ارض حقوقه و بساتين احلامه ... لم يخطر بباله يوما قابلية اغتصاب هاته البساتين .. لم يخطر بباله يوما قابلية اغتصاب هاته البساتين ... حقا لم تنصفه الحياة يوما فكما يقال " الحياة انثى في كل ما تعطيك تسلبك ما هو اغلى ولكن مالذي اعطته اياه الحياة ... حتى الآن لا يرى سوى انها تسلبه في كل مرة ما هو اغلى من التي تسبقها ...

خلال زحمة افكاره اخذ يتصفح جريدة قديمة توجه الى صفحة الكلمات المسهمة ؛ حمل القلم و راح يعبئ الخانات بشراهة ، قبل ان يوقفه كلام اصغر أخواته " من دونه تستحيل الحياة ، ويتكون من ثلاث كلمات "

... ممم جرب لربما يكون الامل ... كان وقع الكلمة شديدا في نفسه .. كان كفيلا بإحداث ارتجاجات بجدران قلبه ، قام مبتسما و عانق اخته بحرارة ، دخلت امه و اختاه ليتممن حلقة العناق في جو مشحون بعواطف جميلة على حافة أحاسيس الاسرة و الانتماء ...

اذن هذا ما قدمت له الحياة .. مفتاح صول لسمفونية العمر ... 

انه الامل ...