الله ينوّر عليك بقبرك ياللي ببالي
الله ينوّر عليك بقبرك ياللي ببالي
أيهم نور الدين
قبل أكثر من عشرين عام كانت الكهرباء في سورية تشبه إلى حد كبير الوضع الحالي .. كانت المؤامرات حينها – كما هى الآن - لا تنقطع عن هذا البلد الصامد الممانع .
لم يكن المندسون حينها موجودين , وربما لم يكن معظمهم قد ولد بعد , ومع ذلك كانت الكهرباء تنقطع على الدوام , فالرعد والبرق والمطر والصحو والشمس والبرد والحر والهريسة وسيلان العيد والمشبك وجدي القوزلّة :: كلها مجرد خيوط رفيعة في مؤامرة أشمل كانت تحاك لسورية منذ زواج أنيسة وربما قبله بشهرين على الأقل .
كان أبو صطيف جالساً في مقهى النورس على الكورنيش ويشتم – كعادته – الأسد الأب كلما أزعجه أحد ما أو طنشه ولم يحضر له فنجان قهوة .
سيارة الأمن العسكري التي كانت تجوب الكورنيش , ونشف ريق عناصرها فأرادوا الصلبطة على كام كزوزة من المقهى سمعوه , ويا ليتهم ما سمعوه .
كانت التعليمات المشددة للعناصر تتعلق بالسماح لأحمد ( ن ) بالسباب دون حساب , أما أبو صطيف الذي لم يكن على رأسه ريشه لغاية تاريخ الحادثة فقد شد به العناصر وأخذوه موجوداً إلى فرع الأمن العسكري باللاذقية .
من الواضح أن خطورة ما تفوه به على أمن الوطن جعلتهم يتجاوزون الروتين المعتاد بتحجيجه للمفرزة القابعة عند البريد أولاً .
كانت أجهزة اللاسلكي في الفرع تتابع مجريات القبض المظفر على العميل المأجور ( أبو صطيف ) .
حتى العميد سليمان رئيس الفرع كان يتواصل مع عناصر الدورية كل خمس دقائق .
باختصار : كان الفرع " وربما شعبة المخابرات بدمشق " يتابعان أولاً بأول رحلة السيارة من جبلة إلى اللاذقية وهى تحمل أخطر أعداء الأسد الأب منذ حركته التصحيحية المباركة .
العقيد محمد زريقه المنقول حديثاً من جبلة إلى الفرع كنائب لسليمان العبد الله , يعرف – كجميع أهالي جبلة - أبو صطيف جيداً , وما أن رآه حتى صرخ بالعناصر : الله لا يعطيكون العافيه ع هالعلقة , ما بتعرفوا تجيبوا غير المصايب , لسه قصة أحمد ( ن ) ما خلصنا منها , ثم نظر إلى العميد سليمان متابعاً : سيدي هاد مجنون معروف بجبلة , يا محلى أحمد جنبه .
لم يصدق العميد سليمان , فشكل الرجل يوحي بالعقل والنقل والرزانة والهدوء .
هز العميد كتفيه واستدار قائلاً : أحضروه إلى مكتبي .
..
تولى العقيد زريقة استنطاق المتهم في غرفة رئيس الفرع الفخمة :
- يا أبو صطيف بتعرف وين أنت هلق .
- بالششمة .
- لا يا أبو صطيف ما حلو هالحكي , أنت بمديرية الكهربا " واشار بيده إلى العميد سليمان " : هاد السيد مدير الكهربا شخصياً .
- تلحسوا طيـ......*ي أنتو وهالكهربا اللي بتضل مقطوعة , ع شو قعدتكون هون , روحوا انقلعوا ع بيوتكون وريحّوا هالبشر .
نظر العقيد زريقة للعميد سليمان : شفت أنه ع قده يا سيدي .
- لك شو ع قده , بشرفي فيه عقل أكتر من العناصر اللي جابوه , ولاه أبو صطيف : أنت من جماعة السيد الرئيس ولاّ أخوه رفعت ؟!!
- الاتنين خوات شرموطة , وشكلك أنت أعرص منهم .
قهقه العميد وأمر بإخلاء سبيله .
..
إثرها نعمت جبلة بحماية الرفيق ( أبو صطيف ) عند غياب الرفيق أحمد لأي سبب .
لم يعد أحد يقول له : محلى الكحل بعينك , وحتى عندما وقف عند فرن حارتنا لأكثر من ساعة أيام البيعة الأخيرة للأسد الأب , عدت القصة بسلام .
كانت صورة كبيرة للأسد بابتسامته البلهاء تزين جدار الفرن وتوزع البركات على الزبائن من فوق كوة البيع ... نظر أبو صطيف إليها ملياً ثم صرخ بأعلى صوته :
عم تضحك يا ابن ستين صرماية و إلنا ساعة واقفين ع الفرن .
فرغ المكان من البشر لحظتها , وحصل أبو صطيف على خبزاته بكل بساطه .
..
كانت جدتي – رحمها الله – كغيرها من العجائز البسطاء في جبلة ممن يؤيدون فكر الرفيق ( أبو صطيف ) بضرورة تسريح جميع موظفي مصلحة الكهرباء وكعرهم إلى بيوتهم , تقضي وقتها بقراءة ما حفظته من الذكر الحكيم عند انقطاع الكهرباء , وكانت تختم جزء عم عشر مرات في القعدة نظراً للمدد الطويلة التي نبقى بها في الظلام .
كانت كلما جاءت الكهرباء تقول جملتها المعهودة : خي خي خي.. الله ينور عليك بقبرك يا اللي ببالي .
سألتها مرة : مين هاد لك ستي اللي بتدعيله الله ينور عليه بقبره كلما إجت الكهربا .
- فيه غيره يا ابني , حافظ الأسد .
- لك الزلمة لسه ما مات , بعدين شو الله ينور عليه بقبره .
- يا ابني هوه الله ياخده لعنده ويريح هالعالم منه و ستين ينور عليه , بس هوه يفرقنا .
..
أذكر دعاء جدتي كلما أمتعنا الأسد الابن بطلته البهية ... إاااايه , الله يرحمك يا ستي وياخدك ولا ينوّرعليك بقبرك ياللي ببالي .