ابني بنى لنا بيتاً في الجنة
غرناطة عبد الله الطنطاوي
أُعلنت نتائج الثانوية العامة في سوريا، وأخذ الطلاب يتوافدون على مدارسهم وعبر مقاهي النت للحصول على نتائجهم، بقلوب حزينة كئيبة بسسبب ما يجري في بلدهم الحبيب من عمليات عسكرية ودهم واعتقال وتعذيب وتنكيل وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، وهدم المساجد والمتاجر وغيرها، وأكثر من ذلك هدم المدارس التي آوت اللاجئين إليها، حتى الجامعات لم تسلم من القصف والهدم..
كان جُلّ تفكير الطلاب في أي جامعة سينتسبون إليها، فقد كانت معظم الجامعات قد أُغلقت أبوابها، أو تهدّم جزء منها..
ذهبت أم منير إلى مقهى انترنت لتسأل عن نتائج البكالوريا...
أعطت ورقة لشاب يعمل في المقهى قائلة له:
-أريد نتيجة هذا الشاب المكتوب اسمه في هذه الورقة وهذا رقمه أيضاً..
بعد لحظات قليلة قال الشاب وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة:
-مبروك خالتي الشاب قد نجح بمعدل عالٍ، كل الجامعات تقبله وبأي فرع يريده، ولكن من يكون هذا الشاب؟؟
فرحت أم منير وسألت الشاب:
-يحق له دراسة الهندسة؟
قال الشاب بحماس:
-بالتأكيد.. يحق له دراسة الهندسة..
قال أم منير:
-الحمدلله، كان يحب دراسة الهندسة المدنية ويحلم بها، كي يعمّر لي بيتاً كبيراً..
كم حدّثني عن البيت الذي سيعمّره، وعن الحديقة التي ستحيط بها من كل جانب، وعن ترتيب الغرف كما أريدها أنا..
بدت الدهشة على محيّا الشاب، فسأل أم منير:
-تقولين كان يحب دراسة الهندسة المدنية، هل غيّر رأيه وسيدرس في مجال آخر، أم ماذا؟
قالت أم منير بعد أن تنهّدت تنهيدة حارة، وقد انهمرت من عينيها دمعة حزينة:
-لا يا بُنيّ، ابني لا يزال يحب دراسة الهندسة المدنية، ولكنه فضّل شهادة أكبر من هذه الشهادة..
سأل الشاب أم منير بلهفة:
-وما هي هذه الشهادة يا خالة؟؟
قالت أم منير بفخر:
-لقد فضّل الشهادة في سبيل الله، فقد كانت أمنيّته، وقد حققها الله له، لقد استشهد ابني، ولم يعد قادراً على بناء بيت لي كما كان يحبّ، ولكنه بنى لي بيتاً في الجنة..
أدرات أم منير ظهرها باتجاه الباب، وهي تجرّ رجليها جرّاً، وقد رفعت يديها تدعو الله بقلب حنون محبّ:
-الله يرضى عليك يا ابني.. الله يرضى عليك يا ابني.. وعدتني ولم تُخلف وعدك..