العروس العائمة
مجدي شلبي
لم ينج من الغرق سوى تلك العروس البلاستيكية، التى كان يحملها لطفلته الصغيرة، فى طريق عودته إليها بعد عامين قضاهما فى الغربة
كانت الرسائل تحمل أخبارها وصورها؛ فيحتضنها ويحلم بقدوم هذا اليوم الذى يمكنه فيه أن يراها رؤية العين، يقبلها ويلامس بيده الحانيه شعرها الحريرى الأصفر
فزعت سلوى من النوم بعد أن شعرت بكابوس كبلها وحاول خنقها، صرخت؛ فهرعت أمها نحوها؛ احتضنتها وهدأت من روعها، لكنها ظلت جاحظة العينين وكأنها ترى ما لا يراه غيرها:
ـ ماما... ماما... بابا... بابا يا ماما!!
ـ بابا فى الطريق يا حبيبتى، عندما تستيقظين صباحاً سيكون قد وصل إلى الميناء، وكلها ساعات قليلة ويكون بيننا بإذن الله
ما زالت سلوى تنتظر قدومه، رغم أنها كبرت، وتزوجت، وأضحت أماً، والعروس العائمة ما زالت طافية على السطح؛ فى انتظار من ينتشلها.
اللحظة الفارقة
اعتصره الخوف والألم وهو عائد لتوه من تشييع جنازة أحد أصدقائه وزملاء دربه، ودار بينه وبين نفسه حوار كشفت عن تفاصيله الدقيقة عيون لا تعرف الكذب:
ـ يا الله... هكذا رحل غريب؛ آخر رفقائى... منذ ساعات كان يملأ الدنيا بصوته وابتساماته بل وبقهقهاته المتفائلة
ـ كان يسخر منك؛ عندما يراك مهموماً؛ "فكها بقى يا فؤاد؛ أنت غاوى نكد"!
ـ إي والله؛ بالأمس فقط كان يحدثنى عن خطته التى سيبدأ فى تنفيذها بعد أن خرج إلى المعاش
ـ هل تتذكر ما قاله لك؟
ـ عنفنى كثيراً على إحساسى الدائم باليأس والتشاؤم؛ "لا يأس مع الحياة" هكذا كان يردد، وهو يشرح لى تفاصيل مشروعه الصغير: مكتبة وآلة تصوير مستندات... لكنه رحل قبل أن يحقق حلمه... إنه لشىء محزن
ـ لا لا لا؛ حزنك ليس عليه، ولكن على نفسك التى حرمها بفراقة ممن كان يسليك بكلماته، ويسرى عنك بتفاؤله، ويضحكك بنكاته... فرحيلهم مقدمة لرحيلك
ـ مؤلم جداً أن أعيش منتظراً هذه اللحظة؛ بعد تلك الإشارات المتكررة: رحيل علاء بدر، وأحمد محمود، وحمدى رمضان، ومؤنس ضاحى، وشريف حسن، ورأفت صلاح، وأخيراً غريب فضل
ـ لم يتبق منهم أحداً إلا أنت
ظل هذا الهاجس يسيطر عليه: (لم يتبق إلا أنت) طيلة ثلاثين عاماً؛ قضاها فى هم الترقب وقسوة الانتظار؛ حتى جاءت اللحظة الفارقة.