القفز فوق الشمعة
حيدر الحدراوي
شعر ساهي بأنه على غير ما يرام , فطلب من اخيه راهي ان يذهب للبيت كي يرتاح قليلا .
راهي : شتهيس يخوي ؟
ساهي : اشو عندي دوخه ... ورجليه ترعش .... مو هل كد .
راهي : اشكد صارلك بهاي الحاله ؟
ساهي : يومين .
راهي : هاي الحالة ما ينسكت عليها !
ساهي : باجر اروح للطبيب .
راهي : لا هاي السالفه مو يم الطبيب .
ساهي : جا عدمن دواها ؟
راهي : علاجها يم ابو هذال .
ساهي : الكشاف !! .
راهي : باجر الصبح ... انروح اله ... ونخله ايشوفلك علاج زين .
*************************
بعد ان القى ساهي وراهي السلام على ابو هذال , اتخذ كل منهما له مجلسا في الغرفة الصغيرة , واستطرق ساهي يشرح حالته , بينما ابو هذال تناول شيئا من البخور , والقاه في المبخرة , فتصاعد الدخان , بشكل كثيف , ورنّم بكلمات غريبة , ليست من العربية , بل غير مفهومة , بينما اكتفا ساهي وراهي بالتفرج , مستغربين من سر هذه الطقوس , وفي اثناء ذلك تحدث ابو هذال .
ابو هذال : الجني ايكول .....
ما ان سمع ساهي وراهي هذه الكلمة , حتى ارتعبا , وملئا خوفا ورعبا .
ساهي : يا يمه ! جني !
راهي : يا بويه ! جني !
ابو هذال : أي جني ... جا اشبيه ...
راهي : جني هنا ويانه بالغرفة .
ساهي : يا بويه ... جني ... جني ... ما غيره ؟
ابو هذال : المهم ... الجني ايكول مسويلك عمل .
ساهي : مسويلي عمل الي ... منو ,,, وبيش يطلبني ؟
ابو هذال : الجني ايكول .. المسويلك العمل ... مرة عجوز ...
ساهي : ليش ؟
ابو هذال : الجني ايكول .. هاي العجوز اتحبك ... وتعاني من الوحدة .. تريدك تشمر عبايتك عليها وتسترها
ساهي : شنو هاي العجوز عاشكتني .
ابو هذال : اكيد عاشكتك ... وسوتلك هذه العمل بميتين الف دينار
ساهي : هاي العجوز امخبله ... عدها ميتين الف ... لو كايلتلي .. احسن ما تروح وتسويلي عمل ... زين وهاي منين ؟
ابو هذال : العجوز قريبة منكم ... ابمنطقتكم ..
فبادر راهي , ليطلب من ابو هذال شيئا .
راهي : اكول ابو هذال .. ما دام الجني هنا .. ما تخله يشوفلي وحده عجوز .. وعدها فلوس مثل هاي ..
فتمتم ابو هذال بكلماته الغريبة , وهو يمعن النظر في الدخان المتصاعد من المبخرة , وقال .
ابو هذال : الجني ايكول .. اكو وحدة عجوز ابمنطقتكم .... غنية كلش ... وعايشة بوحدها .
راهي : تمام .
ساهي : هسه ما كتلنه شنو الحل ؟
ابو هذال : الحل .. راح انطي كل واحد منكم شمعة .. تشعلوهن بالليل ... وكل واحد يكمز فوق شمعته عشرين مرة .
ساهي : وش راح ايصير ؟
ابو هذال : انته يساهي ... راح يبطل العمل .. وتجيك العجوز رغم انفها ... وانته يا راهي راهي تدخل محبتك بكلب العجوز الثانية .. وتجيك بخيرها .
********************************
ارخى الليل سدوله , جلس ساهي في غرفته , وأشعل شمعته , وبدأ بالقفز فوقها , ويعد , لكنه يخطأ بالعد , فيعيد الكرة , اما راهي , فقد اشعل شمعته هو الاخر , وشرع بالقفز , الى ان اتم العدد المطلوب , فخرج من غرفته , منتظرا فراغ ساهي من قفزاته , وبعد قليل , خرج ساهي مبتسما وهو يقول :
جبتهن فيت هالمره .
كان راهي قد اعدّ الشاي , وجلسا ليشربا , ويناقشا امر العجوزين , فذهبت بهما المذاهب , بينما هم كذلك , سمعوا شخصا يطرق الباب , فأسرع ساهي ليرى من الطارق , فوجد عجوزا انغيشه الطاعنة في السن .
انغيشه : ساهي ...
ساهي : يعيون ساهي ... يكلب ساهي .
انغيشه : ابو المولدة كطع الامبيرية عني ... صارلي شهرين ما امسددة ... يكولون هو صاحبك ويسمع حجيك ... بلكت تحاجيه ويصبر عليه لمن ابيع الدجاجات وانطيه فلوسه .
ساهي : اشلون ؟ ... ما عندج فلوس المولدة ... وتسويلي عمل بميتين الف دينار !
انغيشه : ساهي ... يا عمل .. يا طركاعه ... اكلك الدنيا ليل .. والجو حار .. وماكو كهرباء عندي .. والمولد مكطوع ... تكلي عمل .. ومدري شنو ؟
ساهي : عجيب غريب
انغيشه : هسه اتروح ... اتحاجيه ... لو اشوف واحد غيرك ... ترى ما بيه حيل بعد اوكف .
ساهي : بسيطه .. هسه اروحله ... روحي انتي للبيت .
ذهب ساهي قاصدا صاحب المولدة , بينما ظن راهي بأنه قد نال مقصده , فأنتظر دوره .
ساهي .. خلص .. اجاه نصيبه ... هسه دوري انه ! .
فأخذ يتجول في البيت , يغدو ويروح , يتوقف بين لحظة واخرى , وينظر الى الباب , ينتظر طرقات الامل , المستقبل , واخيرا طرق الباب , فهرول مسرعا , يروم الفتح , فأذا براهي يقف امام العجوز حكمه الشمطاء , وهي تتعثر في خطواتها .
راهي : الف رحمه على ابوك يبو هذال .
حكمه : راهي ...
راهي : يعيون راهي .. يابعد روح راهي ! .
حكمه : صخلتي تريد تولد .. وماكو واحد ايولده .. لا شعيبث لا كطامي ولا حتى طراد .. كالولي راهي جان ايولد اصخول ...
راهي : افا .. ولو انه تارك هاي المهنة من زمان ... بس ميخالف .. هسه اجي وياج .
نسي راهي ان يقفل الباب , حين ذهب مع العجوز , وقد لاحظ الحرامي الشهير ابو طكعه خروج ساهي وراهي من بعده , من غير ان يحكم اغلاق الباب , فهجم على البيت هو وجماعته , وافرغ محتوياته , بل خلع حتى ابواب الغرف .
*************************
اقنع ساهي صاحب المولد بتشغيل خط عجوزه , وقرر ان يذهب الى بيتها , ليستعلم اخبارها , وحين وصوله , فاتحها بحبه لها , واقنعها بالزواج , فطلبت منه الاسراع بعقد العقد , كما يقول المثل ( خير البر عاجله ) .
انغيشه : خلي شيخ شناوه يعقد النه ..
ساهي : لا راح اجيب سيد رافد .
انغيشه : لا لا انه اتبرك بشيخ شناوه
احضر ساهي شيخ شناوه , وعقد قرانهما , فحزمت انغيشه اغراضها لتنتقل للعيش مع ساهي في بيته .
************************
اما راهي , فقد ابلى حسنا بتوليد الصخلة , وجلس ليرتاح قليلا في بيت حكمه , واخذ يغازلها ويصارحها , بحبه المكبوت في قلبه , طوال تلك الاعوام , واقعنها اخيرا بالزواج , الارتباط المقدس , واصرت ان يحضر الشيخ شناوه , لانها تتبرك به .
شيخ شناوه : شجاكم الليله ... انسردتو على الزواج .. انت واخوك .
لملمت حكمه اغراضها , قاصده العيش مع زوجها في بيته .
**********************
التقى الجميع عند باب البيت , وعند دخولهم وجدوا ان البيت فارغ , لم يبق فيه شيئا , فعمت المناحة والحسرة , واخذ ساهي وراهي يلوم احدهما الاخر , احتدم النزاع , حتى تدخلت انغيشه .
انغيشه : محلوله ... راح ابيع بيتي .. ونعوض الراح .
حكمه : وانه هم ابيع بيتي وانعوض الراح .
ساهي وراهي هشا وبشا , عند سماعهما كلام العجوزتين , لكن ساهي لم يبدو على ما يرام .
ساهي : يخوي ... اشو الدوخة اخذتني ...
فسقط مغشيا عليه , فاسرع راهي بنقله الى المستشفى , فأخبره الطبيب بأن ساهي يعاني من فقر الدم الحاد , وبعد اجراء اللازم عادا للبيت , لكنهما قررا ان يذهبا في الصباح الى بيت ابو هذال , فيخبراه ان مرض ساهي كان بسبب فقر الدم وليس العمل (السحر ) , وان العجوزتين فقيرتان , و ليستا غنيتان كما اخبرهما .
**********************************
ساهي : شو انه ما طبت من علاجاتك يبو هذال .. والطبيب ايكول فقر دم .
راهي : والعجوز الكتلي عليها ... طلعت فكر .
ابو هذال : والله القضية مو بيدي ... هذه الجني طلع مو خوش جني ... فشلني ويه الناس !!.
