غربة في وطن...
غربة في وطن...
مروة حرب
مدُّ الأمواج يغطي قدميها، وجزرها يأخذ معه قلبَها اليائس عله يعيد إليها في مد المرة القادمة قلبًا جديدًا يعيد لها ما سرقته الأيام منها، ضوء القمر يوقد ما تحطم من عروقها، ونسيم عليل يهدِّئ عليها روعَها، سواد الليل يبقيها في وحدتها، وضوء النهار يشعل فتيل غربتها.
تبتعد وتبتعد وتمشي واضعة يدها على خاصرتها...كيف لا؟! وهي تشعر أن الأيام قد حملَّتها فوق طاقتها. تلتقط حشائش الأرض لتصنع منها وجبتها، تقتات عليها موقنة أن الموت يلاحقها، دمعات حرَّى تسقي خديها، لكن لا تُنبت زهرًا ليفوح لها عطرًا في نوبتها .
أبواب اليأس فتحت لها مصراعيها... وحديث النفس يمزقها... وشعور بالنسيان يداعبها، لكن!! نسيان النسيان صعب للحامل أطنان القهرِ... الذلِ...الحقدِ...الألمِ...المرضِ...الجوعِ... ورؤيا الموتى بين يديها.
تحتال طفولتُها الكهلى، تجعلها تمسك ما أبقاه الليل للعبتها، فهنا يدها مقطوعة... وتحت الطوبة يدها الأخرى محروقة... والرأس هناكَ... وخلف السورِ تمرِّر يدَها المغبرة لتنظف لعبتَها المجتوثة، لكنها تنظر عاجزة عن ضم اللعبة ترمقها، فغراب مزَّق من تلك الطفلة بسمتها، وارت لعبتها تحت التربة مسرعة، عادت ممسكةً دمعتَها ، قفزت من فوق الموتى مسلِّمةً، وارت لعبتها لكنَّ أناملها المغبرة عجزت عن عد الموتى لكثرتهم.
صلت بخشوع داعيةً... اللهَ الرَّب ومثنيةً أن يَرجِع حقٌ مسلوب، ويعود الوطن المنهوب، وتعود الطفلة باهيةً... تفترش الأرض مدندنةً... ويميت الله الغربان... ليعود بهاء الأوطان، ويعم الفرح المنشود... فالوعد بنصر مكتوب والظالم لا بد يموت.
عادت للموج يلاعبها، عادت للمد يسامرها، جلست في الظلمة وحدتُها، دُفنت في الأرض أساورها، ماتت في الدنيا مراتٍ، لكنَّ الروح معلقةٌ، تنتظر الموت يلاحقها.