السكويلة
السكويلة
سعيد بلمبخوت
-انهض يا قاسم ،انه وقت الذهاب إلى "السكويلة"* و يبدو إن السماء قد تمطر قبل أن تصل.
صحا قاسم بصعوبة من نومه، كان بعد إلحاح من أمه التي وضعت أمامه الفطور، خبز ساخن وكوب حليب، يفرك عينيه لمقاومة اثر النعاس الذي لا يزال يراوده، ثم ينهض.
- كل جيدا يا أبني، إن النهار طويل ومطعم المدرسة لم يفتح بعد يا قاسم.
يبدو أن أبو قاسم غير مقتنع بذهاب الولد إلى "السكويلة" .
-إنها مضيعة للوقت، كان أجدى للولد أن يقدم لي العون برعي البهائم، لمادا يلد الناس ؟.
إنها العبارات التي يرددها أبوه مند التحاق الابن بالمدرسة.
تمر الأيام و مع مرور كل سنة يجتاز قاسم القسم الموالي إلى أن استكمل السنوات الأربع. لكن القسم الخامس لا وجود له في السكويلة ويجب الانتقال إلى اقرب مدرسة تتوفر على القسم الخامس ،أقربها على مسافة خمسة وعشرون كيلومترا. القسم الخامس أو الشهادة كانت للبعض مفتاحا للهروب من متاعب البادية، وطريقا إلى مفتاح النجاح للبعض الأخر، ومضيعة للوقت كما يرى أبو قاسم.
ليست الكيلومترات التي تزعج قاسم، لأنه قطع منها ما يكفي للوصول إلى القسم الرابع. لكنها مع دلك، كثيرة ولا يمكن لقاسم مواجهتها راجلا ذهابا وإيابا. زيادة على عدم توفر وسائل النقل في كل الأوقات، حتى لو وجدت فان التكلفة لن تكون في المتناول.
أبو قاسم غير مهتم، لكن قاسم كل مناسبة يذكر العائلة باقتراب موعد الدخول المدرسي، الأم تطمئن ،ألأب كعادته غير مبالي. ربما تنسى أم قاسم الموضوع ويبقى الولد عونا له...
-لن اتبع بعد اليوم تلك الحيوانات، الكل يذهب إلى المدرسة إلا أنا. .يرد قاسم باكيا.
كان دالك رسالة قوية إلى الأم التي انتفضت بدورها بشدة هده المرة، مخاطبة أبو قاسم بضرورة تسجيل قاسم في "السكويلة". ها هي ألان بعد ما لم يسعفها مخاطبته في الموضوع بهدوء تنتفض على غير عادتها في وجه زوجها. بحكم الجوار، فإنها علمت أن ولد الجيران تم تسجيله في السكويلة...
باختلاف المواسم حسب كل واحد، أصبح لقاسم موسمه الدراسي و لأبي قاسم الموسم ألفلاحي، إلى جانب الموسم السنوي للقبيلة لإحياء العادة واللقاء. الكل يشد الرحال إلى سيدي جابر، تحط الركاب والخيام لمدة أسبوع، تركب الخيل وتجري للسباق، ويطلق البارود في سماء سيدي جابر...
تمر السنوات ...يزور قاسم موسم سيدي جابر.. وترجع به الذاكرة لأيام الدراسة لما وجه نظره اتجاه "السكويلة"...مع كل طلقة بارود يفزع قلب قاسم، يتذكر بحزن الأم التي تنام الآن مطمئنة في ( روضة) مقبرة سيدي جابر. والتي مازالت شاهدة على فضل إصرار المرحومة وتفاني المعلم لرعاية الطفولة البريئة.
عن طريق السكويلة هناك من تأكد اخيرا أنها يمكن أن تكون الوسيلة الوحيدة للخروج من حياة البؤس والبحث عن الأفاق المفقودة داخل القرية.
في لحظة تأمل، و أمام جمال الموقع ورونق المكان، بالأخص إدا كان الفصل ربيعا، تقول انك في جنة على الأرض. ومع مرور الأيام وتعاقب الفصول، لا بد من الإحساس بالملل في المكان. ومع الشعور بضرورة البحث عن أفاق جديدة في ظل الجمود والرتابة تصبح الأماكن والمناظر دون جدوى...
-هل تتذكر يا مصطفى أيام السكويلة؟
يريد قاسم أن يثير موضوعا عالقا في دهنه مند مدة.
-بالطبع من منا ينسى تلك الأيام الجميلة، وتلك الطفولة البريئة يرد مصطفى مبتسما.
- مند مدة وانأ أفكر في وسيله لجمع قدماء تلامذة مدرسة سيدي جابر.
-فكرة جميلة... إن احتجت إلى بعض المساعدة المادية فانا رهن الإشارة.
قاسم لا تهمه المساعدة المادية في المرحلة الأولى بقدر ما يهمه التحلي بالجرأة لاتخاذ المبادرة.
مصطفى زميل الدراسة من الأول إلى الخامس مع قاسم الذي قاسمه نفس حجرات الدراسة إلى جانب المعاشرة في السكن من اجل الشهادة. بعد أن اجتاز قاسم القسم الخامس بنجاح باهر باحتلاله المرتبة الأولى على صعيد الجماعة، لكن مصطفى تعتر في مشواره الدراسي تلك السنة وكدلك السنة بعدها. لكن عدم الاستمرار في الدراسة لم عائقا في وجه مصطفى من اجل النجاح في حياته ميما يتعلق بكسب المال. بعد مضي عدة سنوات كسب ما يكفي من العلاقات والخبرة من اجل البحت عن الدرهم بكل الوسائل الممكنة. أما قاسم فقد تابع الدراسة وتجاوز الثانوي ولم يغامر بسبب قلة الحاجة والعناية لمتابعة الدراسة في الجامعة. لقد أخد قاسم كل الاحتياطات لكي يحصل على دخل يسد به احتياجاته.فكانت الوظيفة المتواضعة الدخل كافية أنداك له مع تخصيص جزء من الراتب الشهري للوالدين أتناء الأوقات الحرجة خلال المواسم الجافة.
-هل تتذكر يا مصطفى، دلك المساء الذي رجعنا فيه مشيا مسافة الخمسة عشرون كيلومترا، حيت باغتنا الظلام قبل الوصول عند اهلنا؟ يسال قاسم مصطفى الذي يقود السيارة في اتجاه الممر المؤدي إلى ضفة النهر.
- اتدكر دلك كما لو كان البارحة.
في دلك المساء ومن اجل الالتحاق بالأهل اتفق العديد من التلاميذ الذهاب مشيا، بالنسبة لقاسم ومصطفى فإنهم كنوا الأبعد مسافة. بعد أن وصل الآخرون إلى ديارهم بعد الغروب كان يتعين على قاسم ومصطفى، في سن الحادية عشرة مشي مسافة ساعة أخرى في الظلام. وكان الليل قد أسدى بظلاله ويتعين عليهم مواجهة الطريق والليل في غياب القمر، مع التحلي بالشجاعة لمحاربة الخوف من كل شيء ولا شيء...
-هنا في هدا المكان تمنيت أن يكون أول لقاء بين قدماء مدرسة سيدي جابر، من الأفضل نصب خيمة من خلالها يمكن رؤية المدرسة.
قاسم بكل حماس يسد من كتف مصطفى ويقول انظر،من هنا ترى السكويلة.
مصطفى يجاري قاسم ويلقي نظره في نفس الاتجاه ويبتسم في وجهه.
-انا في الخدمة يا قاسم.
من هدا المكان وعلى بعد ثلاثمائة متر لازالت السكويلة في مكانها لم تتغير معالمها إلا الحجرات التي تم بناؤها في السنوات الأخيرة تلبية لتزاد التلاميذ. بالإضافة إلى بناء القسم الخامس والسادس.الأقسام الثلاث ببنائها المتميز بالقرميد الأحمر مند عهد الحماية الفرنسية مازالت شامخة أمام القسمين المحدثين. أشجار الاوكلبتيس أعطت للساحة جمالا طبيعيا، يتذكر قاسم يوم غرس تلك الشجيرات الصغيرة التي تحمل الجميع مهمة سقيها ،مرة في الأسبوع كل حسن دوره يتحمل ملا الدلو عدة مرات،.وبالرغم من تحمل أعباء تقل الدلو فهاهي النتيجة، أشجار شاهقة تعطي الرونق للمكان بالإضافة إلى الظل لحماية الأطفال من أشعة الشمس الحارقة وقت الظهيرة.
-مازلت احتفظ بصورة جماعية للقسم الرابع مع المعلم يا مصطفى.
-أريد مشاهدتها يرد مصطفى.
-إنها ليست على الشكل الذي تتمنى، في زمن السكويلة أنت تعرف جيدا الحالة. كان يعني الهندام.
كان مصطفى في تلك الصورة وسط الصف الخلفي وكلما يتمعن قاسم جيدا ليتذكر باقي الزملاء،
يقول لأبنائه:هل تعرفون لمن هده الصورة؟
كانوا بالكاد يتعرفون على ملامح دلك الصبي الذي هو أبوهم ...
تم يقول: وهدا هل يمكن أن تعرفوا لمن يشبه؟
بالطبع لن يفلحوا في التعرف على احد، لكن قاسم كان بالضبط يريد أن يقول لهم بان هده الصورة لمصطفى.
مصطفى هو الآن في الخمسينات من العمر، يعتني بهندامه عناية بالغة، ومقارنة مع هندامه القروي في الصورة اضحك أولادي الدين لاحظوا بدورهم عناية مصطفى في انتقاء زيه. ولعل أبنائه عند ملاحظة الصورة سوف يتمرغون ضحكا.
-لا يهم أريد سحب نسخة منها لكي براها أولادي.
في هدا المكان الذي لم يتغير، وشجر الطر فاء ما زال في مكانه و بالا حرى لازال هناك شجر يسدل ظله على الزائرين لهدا المكان من اجل الاستمتاع بالهدوء والمنظر الجميل المحيط. أيام السكويلة كان الزوار الدين يرتادون المكان في الغالب من الأجانب المقيمين بالمغرب. كانوا أتناء العطل يضربون المواعد للالتقاء في هدا الموقع الجذاب على طول النهار صحبة الأبناء.
-هل تتذكر يا قاسم كم مرة لعبنا الكرة هنا مع أبناء النصارى.
-كنا نسبح في مياه النهر الغارقة، وكان أبناء النصارى ينظرون ألينا. وكنا ناخد المسافة الكافية لكي لا نخرج قرب النصارى ، وهل تذكرت لمادا يا مصطفى.
يضحك قاسم،
-نعم انه بالتأكيد من اجل عدم الظهور إمامهم بالثبان المثقوب.
-ومع دلك كنا نتقرب منهم بعد لبسنا للثياب لنتفرج في لعبهم للكرة.
بعد الإشارة التي وجهها أبناء النصارى في المر ة الأولى، كان قاسم و مصطفى يشاركان في لعب الكرة،
وبعد فترة أصبح الجميع، في حدود لعب كرة القدم في هدا المكان، و بحكم البراءة، تربط فيما بينهم علاقة صداقة عابرة.
*المدرسة.