المراقب
ناديا مظفر سلطان
ثكوت!
خيم صمت ثقيل على المكان ، بينما استقرت أنظار الجميع على الباب.
تابع المدير بنبرة أعلى ، وهو يتقدم حتى وصل منتصف القاعة :
على جميع الطلاب أن يلذموا الصمت وأن يتخذوا مقاعدهم ..فالمراقب على وشك الوثول.
أنهى المدير جملته بحشرجة وبدا صوته- بالرغم من جهده أن يكون عاليا –بدا وكأنه صادر من بئر عميق القرار.
إإإإنه الامتحان وكما تعلمون جميعا ، في الامتحان يهان المرؤ أو..... يهان !!
سمعت ضحكات مكتومة من البلطجية ، أما الطلبة المتفوقين فقد تبادلوا نظرات حيرى ، رفع البعض حاجبيه استهزاء ، ثم اطرق مشمئزا.
غص المدير بعد جملته الاخيرة ، مصطنعا ضحكة بلهاء ، زم أجفانه الشاحبة ، فبدت عيناه المرهقتان فجأة وكأنهما دون لون ، ارتعشت ذقنه وهو يكشر محاولا الضحك ، بدا وكأنه يختنق بينما غاصت رقبته الطويلة في كنف ياقة قميصه الفضفاض ، ما لبث أن شبك أصابعه بتوتر محاولا أن يسترجع بعض روعه ، أخلد للصمت ثوان ، ثم استدار مغادرا المكان بخطوات مرتعشة.
لدى الباب برز فجأة رجلان طويلا القامة وفي الوسط بينهما بدا رجل ضئيل الحجم ، ضاعت ملامحه الداكنة في لجة الظل الذي غمر المكان ، فلم ير منه سوى بياض الرأس واللحية.
اتخذ المراقب مجلسه في منتصف القاعة ، وما لبث أن غادر مرافقاه المركز.
ما إن صفق الباب خلفهما حتى عمت المكان فوضى مروعة ، علا الصراخ ، وتناثرت الأوراق ، تطايرت شظايا زجاج محطم ، تلطخت الجدران بالدماء ، التمع نصل المدى الحادة ، انقضت بضع ساعات ... صلصل الجرس عاليا معلنا انتهاء الوقت ، إذ حانت "ساعة الصفر".
فتح الباب على مصراعيه فتدفق نور عظيم ، أطل شاب مفتول العضلات، بهي المحيا ، جليل الحضور، اقترب من المراقب
كان هذا الأخير لازال لابدا في مكانه تطل من عينيه نظرة جوفاء هادئة ، يذكر هدوؤها بالتماسيح المستكينة في مستنقع غابة افريقية ، وعلى شفتيه المكتنزتين مشروع ابتسامة غامضة يفوح منها شر أخفق في كتمانه.
لوح الشاب بيده أمام المراقب ، فلم تتبدل الابتسامة أنملة ، ولم تطرف جفناه لحظة .
يا عم ! يمكنك الانصراف ، "فأنا المدير الآن ".
تمتم الشاب : مراقب أعمى يا للمهزلة!!!!
تابع الشاب بأعلى صوته: يا عم !! ، "احليق"!!!.ما عدنا بحاجة لك!!.
تراجع الشاب مدهوشا، صاح من جديد : يا إلهي ... وأيضا أصم؟؟؟!!!