يا عمو ما بدي ابرة
نسيبة بحرو
أرقد بجسدي المثخن بالجراح .. أشعر أن شيئاً خطيراً حدث لي ولكن لا أدري كيف أو لماذا ؟
أرى ذلك في فزعة المحيطين بي ونظراتهم المشفقة الباكية والتي ترثي حالي .. وأحسه بتلك الدماء التي تتدفق مني والألم الذي يقتلني ..
لست أدرك سبباً لما حل بي وقد التزمت بإرشادات السلامة التي تعلمتها !!
لم أمسك السكين فلماذا تنزف يدي ؟ لم أقطع الشارع بمفردي فكيف كسرت عظامي ؟ ولم أقترب من النار فمن أين جاءت هذه الحروق ؟
تسعفني وجوه غريبة ولست أرى وجه أمي بينهم .. هي لم تفارقني لحظة فرحي فكيف تركتني عند مصيبتي ؟ كانت تسرع لإخراج شوكة وخزتني ثم تضمد الجرح وتضمني وتقبلني .. فأين ضمها وضمادها وقد اخترقت جسدي أشواك كثيرة وكبيرة ؟
تملكتني الحيرة فأعتقتني منها بعض الذكرى .. تذكرت والدي حين تحدث عن ثورة سورية ضد الظلم والطغيان ، وعن أشرار يقتلون الكبار والصغار بالقنص والذبح والقذائف .. وأن علينا أن نواجههم بقوة الايمان وشجاعة الشجعان لنحرر الوطن أو نصبح شهداء فنذهب الى الجنة .. إلى حيث رحلت أمي ..
سأمتلك قوة الايمان كما يريدني أبي ..
سأتحلى بالشجاعة ورغم ألمي لن أبكِ ..
سأصبر على فراق أمي .. لن أبالي بطفولتي التي ودعتها لحظة استقبال عاهة سترافقني طيلة حياتي ، ولا بآمالي وأحلامي التي تحطمت حين احترقت دميتي ، ولن أكترث لكل هذه الجراح والحروق والآلام .. ولن أخاف الرصاص والمدافع والنار ..
ولكن يا عمو الطبيب أنا أخاف من الابرة ، يا عمو ما بدي ابرة ..
لله دركم يا أطفال الثورة .. مهما أجرم الوحوش في حقكم فانكم تزيدون قوة وشجاعة .. دون أن تنتزع مخالبهم من قلوبكم تلك البراءة ..
إنها الشجاعة البريئة !! وهي ما صنعته ثورة الكرامة في أطفال سوريا الأبطال ..