المرأة العجوز والقط خفيف

رضا سالم الصامت

زمانا، كانت هناك امرأة عجوز تعيش بمفردها بعد أن مات زوجها في بيت متواضع . و كانت لها مجموعة من القطط تعتني بتربيتهم و تأنس لهم و تحبهم كثيرا.

في يوم من الأيام  وجدت العجوز  قطا خارج بيتها يموء حزنا من شدة الجوع

و العطش ، فرق له قلبها  و أرادت أن تقدم له معروفا ففتحت باب بيتها و أدخلته .

دخل القط المسكين بيت العجوز و هو في غاية الفرح، فسألته صاحبة البيت المرأة العجوز: ما اسمك؟

قال : اسمي "خفيف "

قالت: ما أجمل هذا الاسم

أخذت القط خفيف لتعرفه بباقي القطط و قالت له :

يسرني أن أعرفك بمجموعة القطط التي تعيش معي في هذا البيت

قال : تشرفت بمعرفتهم

قالت : هذا  القط اسمه" دعيان" و هو شقي ، كثير الحركة و النشاط يحب اللهو و اللعب

و هذه القطة اسمها "مهرونة" و هي قطة حساسة جدا و طبعها هادئ

و هذا القط اسمه  "جرين" ، قط ممتاز لا يترك فأرا في البيت إلا و أكله

و أخيرا هذه القطة اسمها "ميوسة" و هي عنيدة جدا و تنام كثيرا

رد عليها القط خفيف قائلا : يبدو إن قططك مغرمة باللعب والتسلية و تتميز بالألفة والإخلاص لك أيتها المرأة المحبوبة

قالت العجوز : نعم ، و أنا أيضا أحبهم كثيرا، و اعتبرهم أبنائي و بناتي

ضحك القط خفيف  ههههه و قال : أنا أيضا اعتبرني ابنك الصغير

اهتمت العجوز بالقط خفيف و أعطته طعاما و شرابا ، حتى يسترد عافيته .

بقي القط خفيف يعيش مع المرأة العجوز في سعادة لا توصف ، وفي كل مرة يحاول التقرب منها و التودد لها، إلى أن كسب ودها و تكونت علاقة بينهما، حيث قال لها : لا يؤنس وحدتك غيري أنا ،أيتها المرأة الفاضلة ..

ردت عليه قائلة : كلكم أبنائي، و أرجو من كل القطط  أن تتآلف معك يا خفيف

قال : ستجدني دائما مطيعا لك  أيتها المرأة الكريمة

أحبت العجوز القط خفيف و صارت تثق فيه، و تصدقه في كل شيء. و في ذات يوم قررت أن تحمله مسؤولية البيت أثناء غيابها خارجه .

مضت الأشهر و أصبح القط  "خفيف " هو الفاتق و الناطق ، يصول و يجول  كما يحلو له في بيت العجوز و كلمته مسموعة.

لم يكن أحدا من القطط يتجرأ على عصيان أوامره  فأصيب   بالغرور و تغير سلوكه، و أصبح تصرفاته لا تليق ، يعامل بقية القطط بقسوة رغم احترامهم له باعتباره  مسئولا عنهم .

كماأصبحت القطط الأخرى شديدة الحذر منه، خاصة  عندما تقع مشكلة ما ، فان خفيف يرفعها بسرعة إلى المرأة العجوز،  التي بدورها  تقرر معاقبة كل من خالف الأوامر، لكن بعد أن تتحرى و تبحث  في أصل المشكلة ...

و في أحد الأيام قامت العجوز بإعداد طبق من السمك، و تركته بالمطبخ وقبل أن تغادر البيت لتجلب خبزا، أوصت "خفيف" بأن ينتبه من الطبق وأن لا يترك  القطط الأخرى الاقتراب منه.

لكن القط خفيف لم يتمالك نفسه، وقد اشتم رائحة السمك ،فسال لعابه و قال في نفسه : إنها عجوز " خرفانة "  ستأكل كل هذا السمك لوحدها، و تترك لنا الشوك  ، لماذا لا آكله أنا ؟

أخرج خفيف كل القطط خارج البيت ، و أغلق الباب، ثم شرع  في أكل السمك بنهم و نسي أن يترك القليل منه،و عندما عادت العجوز بالخبز، لم تجد السمك فقالت في نفسها:

إن خفيف هو من أكل السمك، لقد خان الثقة التي وضعتها فيه، و إن ثبت انه هو فسوف أطرده من بيتي

نادت العجوز على كل القطط و سألتهم فقالوا لها : إن القط خفيف  دخل المطبخ بمفرده و أغلق على نفسه الباب و تركنا في الخارج هذا كل ما نعرفه

ردت عليهم العجوز: و هل رأيتموه يأكل السمك ؟

قالوا : لا ، ولكننا اشتممنا  بأنوفنا روائح زكية ، نعتقد أنها رائحة سمك

 قالت: حسنا

نادت على القط خفيف و لامته على صنيعه هذا ،و اقتربت من فمه لتشتم رائحة السمك ، وفجأة مسكت به و قالت له: أنت من أكلت السمك يا خفيف ولهذا قررت أن أضعك في هذا الكيس  كعقاب  لك .

رمت العجوز القط خفيف في كيس أسود اللون ثم عقدته بقوة، و في داخل الكيس بدأ يتحرك و هو نادم على ما فعله ، لكن العجوز أخذت الكيس و خرجت من بيتها متجهة إلى الوادي  البعيد و فتحت العقدة و رمته هناك.

و قفلت راجعة إلى بيتها و كأن شيئا لم يحدث و بقيت  تعيش مع بقية قططها بدون القط خفيف  الذي أغراه الطمع بعد أن رق قلب العجوز له عندما وجدته مشردا  و منحته ثقتها  ، فخان الثقة  و تنكر للمعروف  و هكذا تنتهي قصة القط خفيف و المرأة العجوز و التي نستنتج منها أن هذه عاقبة كل من يتنكر للجميل و يخون الأمانة بسب طمعه و جشعه و استغلال المسؤولية التي ألقيت على عاتقه .