منصور و البيضة الذهبية
رضا سالم الصامت
في قديـم الزمـان و سالـف العصر و الأوان ،كان هناك رجل غريب و فقير يدعى منصورجاء من بعيد إلى إحدى القرى القريبة من موطنه قصد البحث عن عمل يكسب به رزقا حلالا لينفق على نفسه و عائلته و لكن طالت مدة بحثه ، و لم يجد عملا ، و في كل مرة يعود إلى بيته حزينا كئيبا و لم يعد الرجل يحتمل ، و بدأ ماله ينفذ ، فاحتار و أخذ اليأس يدب في نفسه.
و في يوم من أيام الصيف أحس بعطش شديد و أخذ منه التعب فجلس تحت جذع شجرة ليأخذ نصيبا من الراحة ، و فجأة لمح شيء يلمع تحت أشعة الشمس الحارقة ، فقام و ذهب لاستجلاء الأمر، و تمعن في النظر فإذا به خاتما من الذهب الخالص مرصعا بالزمرد و الياقوت ، أخذ يقلبه و هو يقول في نفسه : ترى لمن يكون هذا الخاتم الثمين
احتفظ بالخاتم و سأل نفسه : مسكين صاحب هذا الخاتم ، قد يكون في حيرة بسبب فقدانه له
أخذ منصور الخاتم و ذهب به إلى سوق القرية، عله يجد دكان مجوهرات و أخيرا عثر على دكان لبيع الذهب . دخل منصور و قابل صاحب المحل و سلمه الخاتم قائلا له : أريد أن اعرف ، هل هذا الخاتم ذو قيمة ؟
رد عليه المجوهراتي بعد أن قلبه و رآه قائلا : انه خاتم ثمين جدا جدا و ثمنه باهظ ، فهل تريد بيعه ؟
رد عليه منصور : لا يا سيدي ، الخاتم ليس لي فهو لخالتي .
رجع منصور إلى تلك الشجرة و جلس تحت جذعها ينتظر صاحب الخاتم عله يأتي ، لكن دون جدوى
و عندما غابت الشمس و مالت إلى الغروب رجع منصور إلى بيته فوجد زوجته ميمونة في انتظاره
فسألته : لماذا تأخرت اليوم يا منصور ؟
فقال لها : لا تشغلي بالك بي ، هل أعددت لنا طعاما ، إني أكاد أموت جوعا
قالت لزوجها : ليس لدي إلا الدقيق سأحضر لك خبزا .
عجنت ميمونة الدقيق و خمرته ثم قامت بطهي خبزا و قدمته لزوجها كطعام .
أكل منصور الطعام إلى أن شبع ، ثم أخذ يروي لزوجته ميمونة ما حدث له ... مسكت الخاتم بإصبعها و قلبته فأعجبها كثيرا و فرحت و قالت لزوجها : انه خاتم جميل و ثمين ، لا يقدر بثمن
أخذ الخاتم من يدها و في الغد تحول منصور إلى الشجرة و فور وصوله وجد رجلا بصدد البحث عن شيء قد افتقده ففهم منصور إن هذا الرجل هو صاحب الخاتم . تقدم نحوه و سأله : ماذا تفعل هنا يا سيدي ؟
رد عليه الرجل و هو في حالة مضطربة : لقد فقدت خاتما ثمينا ورثته عن والدتي مرجانة ، و منذ فترة و أنا ابحث عنه و لم أجده .
رد عليه منصور: اطمئن ، الخاتم الذي تبحث عنه موجود
فسأله الرجل : و لكن أين ؟
رد عليه منصور: انه عندي في الحفظ و الأمان
فرح الرجل و قال لمنصور : اعطني الخاتم ، أعطيك هذه الدجاجة
فقال منصور: و ما حاجتي بدجاجتك ؟
رد عليه الرجل : إنها ليست دجاجة كالدجاجات الأخريات ، هذه دجاجة تبيض لك يوم بيضة من ذهب
سلم منصور الخاتم للرجل و أخذ الدجاجة و أسرع إلى بيته فرحا مسرورا و فور وصوله قال لزوجته ميمونة :
أبشري يا امرأة ، لقد سلمت الرجل خاتمه و أعطاني دجاجة تبيض كل يوم بيضة من الذهب
عاتبت ميمونة زوجها بسبب تصرفه هذا قائلة له: كيف تصدق كلاما كهذا ، انك و الله لرجل بسيط ، فهذه نهاية في الغباوة
غضب منصور من كلام زوجته و قال لها : لما هذا العتاب ، لا أريدك أن تتسرعي في حكمك عليه ، فلقد بدا لي الرجل صاحب الخاتم صادق في أقواله .
قالت ميمونة لزوجها : سنرى
فرد عليها منصور : إذن ، اتق الله يا امرأة ، فالخاتم خاتمه ، و الدجاجة دجاجته .
وضع منصور الدجاجة في القفص و ناولها حبات من القمح و في الغد باضت بيضة ، و كانت بيضة من ذهب ففرحت المرأة كثيرا و قالت لزوجها منصور : إن صاحب الخاتم كان صادقا في أقواله ، لقد باضت الدجاجة بيضة من ذهب
فرح منصور و قال لميمونة : الرجل لم يكذب علي .
أخذ البضة من يد زوجته و ذهب مسرعا لدكان المجوهراتي و عرضها عليه فقال له صاحب المحل : إنها من الذهب الخالص ، لقد تأكدت منها فهل تبيعها لي؟
رد عليه منصور قائلا : لا يمكن بيعها لك الآن ، فهذه البيضة لخالتي فان رضيت ببيعها سأعود إليك ثم انصرف .
بعد أيام أخذ منصور كل البيضات التي باضتها الدجاجة و ذهب لمحل بائه المجوهرات و قال له : خالتي تريد بيع هذه البيضات الذهبية ، فكم ستعطيني ؟
أخذ المجوهراتي البيضات و أعطاه ثمنها الذي لم يكن يتخيله منصور هذا العاطل عن العمل و الفقير
و هو يسأل نفسه هل هو في حلم أم في يقظة .
تغير حال منصور و زوجته ميمونة و أصبحا يعيشان في أرغد عيش لمدة طويلة ، و في يوم من الأيام ماتت الدجاجة
فحزنت ميمونة و أخبرت زوجها منصور و لم يعد كعادته مسرور يبيع البيضة الذهبية فبدأ الفقر يدق بابه و خيم على البيت من جديد رياح الخصاصة ، و أصبح حاله مزريا يزداد السوء بالأسوء و لم يعد لديه ما يسد الرمق .
أصبح منصور يفكر في إيجاد عمل يضمن له عيشا كريما بالحلال و لو قليلا ، و ذات يوم اعترضه صاحب محل المجوهرات فسأله : أين أنت يا رجل ، لم تعد تأتي لبيع البيضة الذهبية ؟
فرد عليه منصور قائلا : لقد ماتت خالتي و لم يعد لديها بيض من ذهب ، و ها أنا الآن أبحث عن عمل أكسب منه قوتي و قوت عائلتي .
ما أجمل أن يكسب الإنسان قوته بعرق جبينه...
هكذا يا أصدقائي الصغار ، تنتهي قصة " منصور و البيضة الذهبية " و التي فيها عبرة لمن يعتبر، وأن يتوكل الإنسان على الله سبحانه و تعالى ويصبر ويسعى في طلب الرزق ، وأن لا يتكاسل أو يتواكل.
مع أجمل تحيات الكاتب القصصي رضا سالم الصامت و الراوي أبو أسامة.