محجوبة الساحرة
محجوبة الساحرة
رضا سالم الصامت
الراوية : فتحية المصمودي
في قديم الزمان و سالف العصر و الأوان كان هناك رجل يدعى محجوب يعمل حطابا في الغابة و كانت له أسرة تعيش في بيت من القش صنعه بيده في قريته .
عاش مع زوجته و لم يرزق بصبي منذ عشرة سنوات وأخيرا حملت منه و أنجبت له صبيا سماه أحمد ، و بقي محجوب يرعى ذلك الصبي ، وكانت والدته ميمونة تحبه حبا جما و تقد ر حق التقدير تضحيات زوجها محجوب الذي يكد و يعمل في الغابة لينفق على ابنه الوحيد و يحسن تربيته و كان في كل مرة تعترض طريقه امرأة اسمها محجوبة تدعي انها أم محجوب بسب صدمة أصابتها على اثر فقدانها ابنها للأبد ،فجنت و حزنت كثيرا عليه ، و أصبحت شريرة و قاسية ومشعوذة ساحرة وهي التي لم تنسى ابنها مع مر الزمن ، و ظلت دائما تنتظره معتقدة انه لم يمت ..
و في إحدى الأيام سمعت محجوبة أن محجوب جارها الحطاب رزقه الله بصبي بهي الطلعة ، فقررت الابتعاد عنه و ظلت تراقب الطفل من بعيد ، إلى أن كبر لتخطفه منه اعتقادا منها أنه ابنها ..
كان محجوب يعمل كعادته حطابا يجمع الحطب و يبيعه ليشتري بثمنه خبزا و زيتونا ليطعم ابنه الصغير احمد.
و في يوم من أيام الشتاء الباردة اعترض سبيله احد أصدقائه و قال له: يا أخي محجوب ألست على علم أن ابنك احمد مريض و أن زوجتك استدعت له طبيبا لمعالجته ... و قد تسمع به جارتك محجوبة فتفعل به سؤا !
استغرب محجوب من كلام صديقه و قال في نفسه ربما تكون محجوبة الساحرة وراء هذا ،فلقد تركت الطفل بخير يلعب و يمرح ....
أسرع محجوب إلى بيته فوجد ابنه مريضا جدا و الحرارة مرتفعة و والدته محتارة و حزينة و فجأة سمع صوتا ينادي : يا عم محجوب يا عم محجوب
خرج محجوب ليرى من المنادي فإذا به الطبيب ...
أذن محجوب للطبيب بالدخول و رحب به و طمأنه عن ابنه تقدم نحوه و قال له سأعطيك أجرتك ، لكن الطبيب رفض ذلك و قال لمحجوب: أجرتي عندما يشفى الصبي ...
ثم قال له أنا جئت فقط لأطمئن عليه .
هل تحسنت حالته ؟
جلبت لكم دواء لنقص حرارة جسمه...
شكر محجوب الطبيب على معروفه هذا ..
وبعد أيام شفي الصبي و أصبح بخير و مرت أيام و أيام و أشهر و أعوام كبر " محجوب " و هرم و لم يعد كالعادة رجلا قويا مفتول العضلات فأصبح كثير التغيب عن عمله .. فطلبت الأم من ابنها الذي صار شابا يافعا أن يذهب إلى الغابة ليجلب الحطب بدلا من والده .
لكن والده حذره من أن في الغابة امرأة تعيش و هي ساحرة ماكرة فأوصاه أن يحذر منها .
الولد لم يهتم لمثل هذا الكلام الذي قاله والده ...
أخذ المعول و قصد الغابة و بينما هو في الطريق ظهرت له عجوز شمطاء قبيحة الوجه و قالت لأحمد : انتظر يا بني أنا أعرفك و أنت لا تعرفني ألست أحمد ابن محجوب الحطاب؟
قال لها : نعم و من أنت؟
قالت أنا محجوبة أم محجوب أباك .
صدق كلامها فعانقها و بدهائها و سحرها جعلته يطيع أمرها ...
نسي ما أوصاه به أباه ، بأن يحذر من امرأة معقدة و ساحرة في الغابة لا يعرفها .
سألها أحمد : إلى أين أنت ذاهبة ؟
فقالت : إلى قصري ..
اندهش من كلامها و قال في نفسه : عجوز كهذه لها قصر! ....
أخذت أحمد معها و ذهبت إلى مكان مظلم ، عرف احمد انه تأخر كثيرا عن بيت والديه و قال لمحجوبة : إن والدي محجوب تركته في البيت و هو متعب كثيرا ينتظرني ...
قالت : لا تخف عليه سيكون بخير... هيا معي.... سأعرفك بابنتي انها جميلة جدا جدا !
كان محجوب رغم مرضه قلق على ابنه أحمد ، الذي تأخر في الرجوع إلى البيت خاصة و هو ابنه الوحيد الذي انتظره بعد فترة من الزمن ..
احمد كان يظن أن محجوبة جدته من أبيه ...و لذلك السبب قرر الذهاب معها ، و لكنها في واقع الأمر تكذب عليه .
و فجأة حدث ما لم يتوقعه ، تغيرت ملامح وجهها و أصبحت محجوبة شابه صغيرة جميلة فتملكه الذعر و خاف و قال في نفسه : أين ذهبت العجوز محجوبة ؟ و بدأ يصيح إنها ساحرة ... إنها ساحرة !
حاول احمد أن يتخلص من قبضة هذه الفتاة ولكن دون فائدة ، لأن خيال العجوز محجوبة ظل مرسوما في خياله ففهم انه في ورطة ...
ركض المسكين جريا دون شعور وبكل قواه ،رغم بعد المسافة إلى بيت والده محجوب ، تاركا كل ما جمعه من حطب وبقيت محجوبة الساحرة تلاحقه و هي تصيح انتظرني يا بني انك ابني ... انك ابني ... انتظرني ...
و عندما لم تتمكن من المسك به ، أخذت تستعمل السحر لكي لا يصل إلى بيته و لكنه نجح في الوصول إلى البيت بعد جهد جهيد و بعد أن عانى مخاطر الطريق ..
كانت العجوز محجوبة تصيح و تصرخ إلى أن وصل أحمد منزله فسمع والده محجوب بكاء محجوبة المتقطع ، ورأى حالتها البائسه وقبل أنيكلمها ويسألها لماذا فعلت في ابنه احمد كل هذا سقطت مغشيا عليها ...
جن جنون محجوب واخذ ابنه إلى الداخل ، وصرعت الأم حينما رأت حالة ابنها الوحيد ومنظره وحرارة جسمه التي ارتفعت وجفاف دموعه .
قرر محجوب تأديب محجوبة الساحرة ، إلا أن محجوبة اختفت عن الأنظار . اخذ محجوب يطمئن ابنه أحمد ، و فجأة سمع طرق في الباب ، نهض محجوب ليرى من على الباب فوجي واندهش بهذه العجوز الساحرة محجوبة تأتي لتعتذر من محجوب و ابنه أحمد ،و بعدما قدمت اعتذارها تغيرت ملامح وجهها و أصبح شكلها مخيفا ثم صعد منها دخان كثيف و ذابت عن الوجود .
دخل محجوب و هو متأثر لما شاهده بأم عينيه ، و بقي يفكر في ما آل إليه مصيرها و قال في نفسه هذه نهاية كل مشعوذ و ساحر آثم .
و هكذا يا أطفال تنتهي قصة محجوبة الساحرة و يبقى احمد يعيش مع والده و والدته ميمونة في أمان و اطمئنان و سعادة و انسجام .
من مجموعة قصصية صدرت للكاتب سنة 2002