نساء كحبات الأرز

نساء كحبات الأرز

فوزية حجبي

رضا داخلي عميق يطفو على تقاطيع وجه علال وهو ينحني باستغراق صوفي على صحن " الحريرة الحامضة "  ، يقلب ضفافه وغوره تنقيبا عن قطع اللحم المفروم الممزوج بالحمص الطري والعدس اللزج ..

الله يعطيك الصحة ..الله يرضي عليك يا راضية.. الحريرة  مضخمة ..

تميل راضية إلى صحنها وتشرع في الأكل بنفس خفيفة  ..أخيرا تنحل عقدة توجسها وهي ترى أسارير علال تنفرج ، وهامته الشامخة المتعالية تنكسر أمام وصفتها اللذيذة التي أنفقت زهرة يومها بالمطبخ لإتقانها وإخراجها على ما هي عليه من الجاذبية في لونها الأحمر الغامق ونكهة حموضتها الحريفة المتبلة برائحة السمن والكزبرة والكرفس ..

منذ أعوام ليست بالكثيرة اختزلت كل وظائفها الأنثوية في إعداد أطباق مميزة تفتح شهية علال كما تقول أمها للسريط والمريط وشي مايشيط !!..

لم يعد لكيانها من وجود إلا حين يرفع علال رأسه ، ويومئ متلمظا متلذذا وهو محاط بعشرات الأطباق، وبعد طول ترقب منها، يلقي بالحكم الفصل الذي يحييها فتنجلي وضاءة متألقة ، أو يميتها فتنطفئ وتتوارى بداخلها الفرحة القليلة المتبقية من أيام الحب الغاربة  ..

منذ أعوام طلقت راضية المرآة وزهدت في حركات تغنجها وتمطيها المزدهي بعنفوان الأنوثة الوارفة ، إذ تعيد لها المرآة صورتها بأجمل منها وأبهى ..

استعاضت عن كل ذلك الفوران بمرآة التلفاز..تشرئب في تلافيف زجاجها للسهوا.ي أجساد وحيوات أخرى تستعيد مع حكايات عشقها وتلاقيها ، أحاسيسها المنفية .. نبضات الشوق والحنين للرجل ..الرجل الذي سقط من أيامها سهوا ..حين آمنت لحظة ثقة عمياء بليدة أنها وحيدته وستظل كذلك حتى يفرق بينهما الموت ..

كيف يغفل أولئك الحكماء الذين يصنعون الأمثال عن الرجل حين يدعون إلى عدم الثقة في المخزن والعافية والبحر ولا يضيفون إلى هذا الثلاثي: الرجل !

فيصبح المثل كالتالي: [ العافية والمخزن والبحر والرجال ما فيهم أمان ]!!..

في لحظة استغراق في دورها الأنثوي ، سحبها الحبيب إلى غرفة الإعدام الباردة وككل الجلادين القساة ، نفذ حكم الإحتلال لحميميتها وشرع أبواب مملكتها لوافدة جديدة ..

قال إنها لن تمس بأي من حقوقها ، وستبقى هي السيدة , والآمرة الناهية ..

هل كان يعي مايتفوه به وهو يطمئنها إلى سلامة حقوقها ، والحق الأجمل.. الحق في الحب لم يعد مجالها لوحدها ، بل صار مشتركا .. وأي لذة للمشترك..

أي  لذة للمقتسم ؟! ..

كأن الأمر يتعلق بكعكة لابمشاعر إنسانية، نسجتها على مر سنوات ..بخيوط الإصطبار على الحلو والمر .. ودبدبات روحية ضبطتها على إيقاع دبدباته نفسا نفسا وحرقة حرقة ، وعلة علة، حتى اشتد عود فحولته ..وجاءه وحم النساء ..فقال أن الأمر مجرد نزوة في حلال ، وأن حبها باق ..

وأن الجديد ليه جدة والبالي لا تفرط فيه !!..وهو التفريط بعينه وعن سبق إضرار متعمد..

واستكانت بعد طول نواح ، وشجن ، وأيام نحسات عاتية ..وحسب هو أنه روضها

 في حين ظلت هي تعالج نيران الخيبة المتقذة في عزلاتها , وتكابد خسران نصفها الآخر بهمة المؤمن المطمئن لقدر الله وحكمته..حتى توارى الشوق وانصهرت الشهوة في تلافيف اليومي الرتيب ، وعوضت  العادة ، موار الوجد ووجع الحنين.. وكما يقول هو : صعيبة غير البدية ..فقد استبدت به هواية مراكمة النساء كأعواد الثقاب ، وتخصص فيها حتى انهدت قواه وأصابه الشلل النصفي ، فركن إلى الشكوى والأنين كالعجائز..ولم يجد غير راضية مشجبا للتنفيس عن  رجولته المصابة في مقتل..

تلك أيام خلت تهمهم راضية داخل تجاويف قلبها المشروخ بالفقد ..

لكن هل تنسى الشيخة هز كتفيها كما يقول المثل ؟!!

تجشأ علال بصوت أشبه بهزيم الرعد فسارعت راضية لإحضار الطست والفوطة

تمضمض فاستنشق واستنثر لمرات وراضية مستكينة كغصن شجرة  في يوم قائض ..

ـالحمدلله قال علال  وتجشأ مرة أخرى ، ثم موجها الحديث لراضية :

ـ آش دارت هاديك المصيبة ديال فطومة ..

تزوجتها وندمت !!!

ـ للحق آسي علال لم تفعل ما يستحق غضبك ..تريدك فقط أن تسمح لها بمحو الأمية في المسجد القريب من دارنا

ـ وما الفائدة من محو الأمية ؟

لن تتعلم منها إلا الدصارة ، القراءة ستفتح عينيها ، وحينها ستقلب رأسي بأسطوانة الحقوق ، ولن ينفع معها صابون تازة ..

ـ زدتي فيه أسي علال .. ستذهب إلى المدرسة في وقت محدد وتعود في وقت محدد

ـ بين الخروج والدخول يتم كل شيئ ، قال علال بلهجة العارف المجرب لمسارب الخداع وفجواته ..

المرأة سريعة التأثر من والا يضحك عليها، فتجلب العارللجميع ، اللي دار واللي مادارش ..

لهذا أمرهن الله بالحجاب والمكوت في البيت..

ـ إذا لبست المرأة الحجاب آسي علال فلكي تخرج بوقارها وحشمتها لتنفع نفسها وأهلها..إذ من غير المعقول أن يأمرها الله بالحجاب لتظل قابعة  في البيت!!

ـ النساء سواء ..كحبات الأرز.. ناقصات عقل ودين ، وإن لبسن الحجاب ..

خروجهن يفسدهن بلا شك !! ..

ثم مالذي سيضيفه خروجها لي..

 واكلا شاربا آش بغات ؟!!

النساء كحبات الأرز والرجال كحبات الفلفل السودانية  الحريفة ، تمتمت راضية في سرها!..

وتكدر وجهه فجأة وهويتوعد بإعادة فطومة إلى بيتهم فقالت مغيرة وجهة حديث يشي بانفجار بركاني لم يزده شلله النصفي إلا تأججا:

ـهذا الصباح أعطاني ساعي البريد رسالة لك

فتح علال الرسالة على عجل وغامت سحنته

ـخير، تساءلت راضية بانشغال ؟

ـ هذه الأوراق لا أفقه فيها كثيرا ..هذه ثالث مرة أتوصل فيها برسالة من هذا النوع

ـ ابنة جارتنا المحامية قارية تبارك الله عليها ... بإمكانها فك لغز هذه الأوراق ..قالت  راضية  معقبة بنبرة استعلاء وهي تسجل نقطة تفوق تحسب لها ضد فكرة حبس المرأة في البيت باعتبارها ناقصة عقل ودين كما يفهم ذلك زوجها  وفق مصالحه الصغيرة، وهو الذي لا يردد إلا كلاما بلا معنى.. سمعت أحد العلماء في قناة فضائية  يفسره بشكل مغاير تماما، أعاد لها الثقة في نفسها كامرأة مسلمة ، كاملة الإنساية والكرامة ، وأضافت بنفس اللهجة :

ـ حسناء تبارك الله ، العلم والجمال والأخلاق ، والحجاب  .. لم يمنعها الحجاب

من التعلم ،ومساعدة أهلها..

ـ وهل هي متزوجة؟!

 قال علال بلهجة بدت قلقة

ـ لم تتزوج بعد.. بغات تكمل قرايتها ..تريد أن تصبح قاضية 

ـ هذا ما ينقصنا ..خربت !

على أية حال سأكلم أباها بشأنها ..سأ قول له : أربط تصيب ما تطلق ..

أعدي لنا طاجين اللحم بالبرقوق ، سأدعوه غدا لتناول العشاءمعي ..

ولأول مرة ..بعد شهور وشهور من الإستكانة الممزوجة بمرارة الشعور بالعجز رأت بريقا حادا يشع من عيني علال، وهو يفتل شاربيه  بحيوية..ويرسل نظرات شبقة  تجاه مجهول شرع يشعل أعضاءه الكسيحة  ..

وهوالبريق نفسه الذي التمع في عينيه ذات يوم، حين كلمه جاره عن أخته المطلقة فطومة !!