ليلى أكلت الذئب
ليلى أكلت الذئب
ناديا مظفر سلطان
كان آذار قد بسط رداءه السندسي الموشى بالأزهار، فغمر الغابة بالدفء واللون والضياء ، عندما خرجت ليلى ذات صباح في طريقها إلى بيت الجدة ، تحمل لها بعض الكعك والحليب .
بادرها الذئب قائلا :
صباح الخير ياليلى!
صباح الخير أيها الذئب!
إلى أين أنت ذاهبة ياعزيزتي ؟
عذرا أيها الذئب ، لا أستطيع أن أخبرك فقد أوصتني أمي أن لا أتكلم مع الغرباء.
ولكنني لست غريبا ، أنا صاحب هذه الغابة!. أجاب الذئب وظل ابتسامة صفراء تعلو وجهه.
توقفت لبلى برهة ، ازدادت عيناها الجميلتان اتساعا ، ثم هتفت بدهشة: حقا ؟! ولكنا نقيم هنا منذ أمد بعيد، أنا وأبي وأمي وكل أجدادي .
أجدا ...أجداد ...أجدادك !؟ ..انتابت الذئب نوبة من الضحك الهيستري فضحك الذئب حتى استلقى على ظهره ، ثم مالبث أن استفاق .
اقترب من ليلى مجددا ، حدق بها وقد كشر عن أنيابه : الغابة ملكي ، وكل من فيها لي .
أربعون عاما وأجدادي يلتهمون أجدادك ، لم يتمرد عليهم أحد بل كانت الغابة تعيش في "سلام وأمان"!!
حافظت ليلى على هدوئها ، ثم ردت بحزم : أعتقد أنك مخطئ أيها الذئب ، بل....
لم تكمل ليلى ردها ، إذ باغتها الذئب ، فهجم عليها ،وأنشب أنيابه الحادة بكتفها منتزعا قطعة من لحمها.
صرخت ليلى ألما وانكفأت على وجهها ، بينما سالت دماؤها غزيرة من جراحها.
تناهت إلى وحوش الغابة رائحة الدم، فهرعت إلى حيث كانت الطفلة.
صاح الضبع : ياللوحشية !
رد آخر: ياللذئب السفاح !
تعالت الصيحات تباعا :الموت للذئب ، الموت للمجرم الأثيم.
مر تمساح ضخم كان يعبر النهر، وهو يبتلع أرنبا قد ظفر به للتو ، أخذ يذرف الدموع ، ثم صرخ بأسى : عار علينا ، بل عار على كل وحوش الغابة إن لم نهب لنجدة هذه الطفلة البريئة المسكينة.
لمعت عيناه بسرور خفي وهو يزحف خارجا من النهر ،ومقتربا صوب ليلى
انضمت إليه بعض وحوش الغابة ، فأحكموا حلقة ضيقة حول الطفلة .
استجمعت ليلى شيئا من قواها ،عثرت بالقرب على عصا غليظة ، فاتكأت عليها .
وقفت وهي تحدث نفسها : لن أستسلم أبدا، سأدافع عن أرضي ، ولن أدع هذا المجرم أن يظفر بي كما ظفر بأبي وجدي ذات يوم .
هجمت على الذئب وهوت بقوة عجيبة على رأسه فشجته . بوغت الذئب ، كما بوغت باقي الوحوش فابتعدوا قليلا ، وهم يراقبون بتوجس مايجري عن كثب.
توارى الذئب خلف التلال ، وقد استشاط غضبا غمر رأسه بالتراب حتى يرقأ جرحه، وهو يلهث من شدة الغيظ .
انقضى النهار وبدأ الظلام يزحف حاملا معه برودة ندية قاسية ، بدأت قوى ليلى تخور فاستلقت على الأرض وقد أنهكها الجوع والبرد والألم.
انطلقت طيور الظلام وحطت بالفرب من ليلى صاح واحد منها: يا لليلى المسكينة! كم هي مقرورة وجائعة وجريحة !.
أنقذوا ليلى ، أنقذوا ليلى .
أرجعت الغابة صدى الصيحات بينما التمعت عيون في الظلام تنضح بالشر والغدر، وهي تدنو أكثر فأكثر من الطفلة .
بددت خيوط الفجر الأولى ظلمة المكان وعكفت شمس الصباح تنسج خيوطها بدأب . وفجأة وعلى مرأى من الجميع برز الذئب مجددا من خلف التلال و متقدما حيث ليلى ، فانقض عليها ومزقها إربا ثم بدأ يلتهمها على مهل .
مالبث أن انطلق إلى إحدى التلال فوقف عليها . بدأ يصدر عواء متحشرجا وهو يبتلع آخر قطعة من جسدها الغض : ياقوم ! اسمعوني .
اقتربت حيوانات الغابة وهي تصغي إليه بوقار.
ياقوم! لقد أكلتني ليلى!
أنظروا إلى مخالبي إنها تقطر من دمائي! أنظروا إلى أنيابي لقد علق لحمي بها !
هزت الحيوانات رؤوسها موافقة : نعم لقد رأيناها بأم أعيننا، لقد التهمت ليلى الذئب !إننا نشهد بذلك.
لابد ان نرفع الأمر إلى لجنة حقوق الحيوان لندافع عن انفسنا .
صفقت القرود فرحة ، وتعانقت بنات آوى بسرور، وتلاحمت الذئاب والضباع بقوة.
صاح الجميع: تبا لليلى الإرهابية ، تبا لليلى الإرهابية.