حكاية الوالي مع الشمع
أبو المنصور
حدّثنا معلم بن فهمان بن جهلان المشرقي عن أبيه عن جدّه قال:
كان والينا المعظّم يسوس العباد والبلاد كما يسوس الراعي القطيع, فكان كلّما ارتفع صوت أسكته بأن ملأ فاه بالطّعام والعطايا والأموال والمناصب والوظائف و..و..والوعود الكاذبة. وكان كالراعي أيضاً يسمّن خرفانه ليذبحها بعد حين.
و مرّت في عهده على العباد والبلاد فتنة لم يُرَ مثلها من قبل, وكأنّ الأرض قد توقّفت عن الدوران فطال الليل شهوراً والنّاس لا يدرون ما يصنعون.
و كان العجائز يذكرون شيئاً أدركوه في صغرهم يسمّونه شمعاً, يزعمون أنّه إذا أشعلته أنار دون أن يحرق ودفّأ دون أن يؤذي, و أنّه طويل البقاء عصيّ على التلف, ولأن الشُقَّةَ طالت بين أيّامنا هذه وآخر عهد أجدادنا بالشمع فلم نكن ندري كيف نصنعه, فاجتهد المجتهدون وجدّ المجدّون حتّى صنعوا أشياء مختلفة سموها شمعاً ويؤكّد العجائز أنّها ليست بشمع.
المهمّ أن والينا المعظّم أعجبته الفكرة فراح يشتري الشمع ومن يصنعه, يريد ليحتكره, فكلّ شمع غير شمع الوالي " مخالف للقانون" وكل " شمعيٍّ " من غير زمرة مولانا " شمعيّ سوء " و هكذا...
ولكنّ العجيب في الأمر أن الوالي لم يشعل الشّمع ولم يستفد منه, وتبيّن بعد ذلك أنّه إنّما اشترى الشّمع ليمنع النّاس من الإستفادة منه والإهتداء بنوره. فهو يحبّ الإثارة و التبذير والجهل والغموض, وعلى النّاس إما الإحتراق بالنّيران الكبيرة أو العيش في الظلام والحيرة, وإذا ما ناقشه أحد في الشمع قال: لا تزايد عليّ, فأنا من محبّي الشمع ومقتنيه, وأنا منه وفيه وأمّه وابن أبيه.
و استمرّت الحال على ذلك من سيء إلى أسوء حتّى قدّر الله و حدث ما حدث وانجلت الغمّة و أشرقت الشمس من جديد.
هنا انتهت حكاية معلم عن جدّه, لكنّ أحد الحاضرين المتحذلقين قام وقال: يا معلم إن كان الوالي فعل هذا بالشمع فما عساه يفعل بالإسلام؟؟ فقال له: اسكت يا فهيم , أولا تدري أنّه منه وفيه وأمّه وابن أبيه !!