البيتزا الإيطالية
يوسف هداي الشمري
تحت دياجير الظلام المدلهم الذي يضرب أطنابه على طول الشارع ، وأمام مطعم الربيع للبيتزا الإيطالية ، ثمة شبان ثلاثة يعكفون على تنفيذ أمر ما تحت أكياس القمامة .
بعد أن انتهوا من عملهم ، وقبل المغادرة ، التفت أحدهم إلى القمامة ، ثم خاطبها بجد :
_ اسمعي جيدا . . إياك أن تنفجري على طفل أو امرأة . .
_ من تخاطب يا هذا ؟. أسرع قبل أن ترانا الشرطة .
_ ولا تنفجري على أي إنسان بريء .
سحبه صاحبه بقوة ، ثم تركوا المكان بسرعة .
* * *
مع تباشير الصباح تجمعت العائلة الصغيرة للأستاذ حسين ، قاصدين أعمالهم كمعلم ومعلمة مع أبنائهم التلاميذ .
جلست زوجته أم على في المقعد الأمامي ، فيما تفرق الأطفال الثلاثة بين جالس وواقف في المقعد الخلفي .
أدار مفتاح التشغيل ، لتتحرك السيارة بهدوء متجهة إلى الشارع العام ، فتأخذ مكانها بين السيارات المزدحمة .
قال الطفل علاوي لأبيه :
_ بابا . . أنا مريض اليوم . . فدوه خذ لي إجازة من المدير.
نهرته الأم :
_ هذه ليست أول مرة تطلب فيها إجازة .
_ ماما صدق أنا مريض ، والله ما أكذب عليكم .
_ لا تهتم علاوي ، بعد أن أوصل أمك للمدرسة أروح وياك للمدير .
التفتت الأم إلى ابنها قائلة :
_ هذه آخر مرة تأخذ فيها إجازة ، افتهمت ؟ ! .
صمت الصبي ولم يقل شيئا . سرى تيار الصمت إلى الجميع ، عدى الطفلة زينب التي أخذت تردد أنشودة (موطني موطني ) التي حفظتها عن ظهر قلب .
عطفت السيارة على شارع النيل . كانت تسير ببطء . لحظ الأستاذ حسين وجود قافلة عسكرية تابعة للجيش الإيطالي متوقفة حذاء الرصيف ، أمام مطعم للبيتزا . انحرف يسارا حتى صار جوارها تماما . التفت إلى زوجته قائلا :
_ الإيطا . . . . . . .
* * *
مع هدير مزامير دوريات الشرطة ، وضجيج المئات من المتجمهرين ، وبكاء الثكالى على أحبائهن ، تجمعت ثلة من الشبان على سيارة صغيرة كانت بالقرب من الإيطاليين ساعة الانفجار . أخذ أحدهم يعالج الباب . مازال به حتى فتحه . رأى جثة متفحمة تعود لإمرأة . جرجرها بقوة . لم تتحرك . مد رأسه ودفع نصف جسده الأعلى إلى الداخل . احتضن الجثة . حملها من تحت إبطيها حتى أخرجها . أنزلها على الرصيف . صعد آخر مكانه . انحنى على المقعد الخلفي ليحمل طفلة لا تتجاوز الست سنوات . متفحمة هي الأخرى .
وهكذا . . استمر الفتية على دأبهم بصبر وأناة ، حتى أخرجوا الجثث الخمس ، وهى تعط برائحة لحم مشوي يحاكى البيتزا الايطالية .