أن تكون معلما

إيمان شراب

[email protected]

فجأة وجدت نفسها معلمة !

معلمة ؟ ليس هذا طموحها أبدا !

ولكن ليس أمامها خيار آخر.. حتى أنها نجحت في المقابلة الشخصية ! فأصبحت فعلا معلمة لأطفال في مرحلة الروضة.

وها هي وجها لوجه، مع أطفال صغار يواجهون مصيرا مجهولا مع معلمة تجهل كيف تكون معلمة ، وتجهل ماذا تعني هذه المرحلة ! وما أبشع الجهل !

بنهاية اليوم الأول كانت على وشك الانهيار ، وقررت أن تعتذر في اليوم التالي، لأنها إذا تابعت ، فإما أن ينتهي الأمر بكارثة للأطفال ستكون سببـَها ، أو بكارثة للأطفال  ، هي الجاني فيها أيضا !

ويشاء الله أن تستمر ، فقررت التصالح مع نفسها بعد أن عقدت اجتماعا معها وطرحت عليها عددا من الأسئلة  : لماذا لا أقبل واقعي ؟ لماذا لا أنظر لمهنة التعليم نظرة إيجابية ؟ لماذا لا أنجح ؟ كيف أنسحب بفشل ؟ لا ..أبدا! لست أنا من يفعل .

وبدأت أول ما بدأت بالدعاء ، وأخذت تقرأ كل ما يتعلق بتلك المرحلة ، واقتنت مجلات الأطفال ، وشاهدت برامجهم ، وسألت ذوي الخبرة. ونظرت إلى الأطفال نظرة إشفاق وحنان ، وتخيلت قلوب ذويهم عندما أودعوا أطفالهم المدرسة وتركوهم يواجهون دنياهم في عالم المدرسة .. فخافت من حجم الأمانة وعظم المسؤولية.. وتخيلت  أيضا أنها أم لهؤلاء الأطفال ، فأحبتهم  وعرفت كيف تتعامل مع كل مشاكلهم البريئة .. ولم يمض شهر واحد حتى كانت المعلمة الأكثر تميزا .

وتوالت السنون ومرت خلالها على جميع الفئات العمرية، فتنوعت الخبرات ، وازداد غرامها بالتعليم .. فكانت في الصف كعازفة سيمفونية جميلة ، أو كممثلة موهوبة ، أو فنانة مبدعة  ، أو كخطيبةمشوّقة ، أو قائدة ذكية ، أو مديرة ناجحة ، أو ربما كأم حنون وأخت رؤوم! أو أب عطوف ، وربما كقاض حكيم؟ بل كلّ ذلك.  وكم قالت لزميلاتها في المهنة :

إذا كنت معلما فذلك يعني أن تكون كل ذلك وستبهرك النتائج بروعتها.

أمـّاصفها فقد كان ورشة عمل نشيطة، الطالبات فيه كنحلات .. أحببن معا المكان والزمان وتعلقت قلوبهن بالله أكثر وأكثر لأنهن ربطن كل دروسهن بالله ، فرأين الجمال في كل شيء حولهن حتى في المشاكل ، لقيامهن  بتحويلها إلى قضية تحتاج دراسة وحلا ، فازدادت خبراتهن على الرغم من صغر أعمارهن .

و بينما هي في قمة سعادتها ، وعلى عرش النجاح ، وفي أشد حالاتها الإبداعية !

جاء القرار !

فلم تعد معلمة !

و حفل التكريم الذي أعدته المدرسة ، لم يغير من إحساسها بأنه خرجت  كالمطرودة من مكان كم أحبته ، وزمان تعلقت بساعاته وأجزائها ! ولم تتمكن من النظر للخلف. 

تقول :

حتى لا أرى دموع أحبابي أو حتى لا يروا دموعي !