قال أبو ذر
يوسف هداي الشمري
[email protected]
بكاء ابنته الصغيرة يشرخ له فؤاده . ليتها تبكى من عارض ألم بها ، أو مرض مزمن لا
يكاد يفارقها . لكان الأمر عليه هين . ولكنها تبكى من الجوع . لم تتعش البارحة ،
فنامت على البكاء ، وكأنها تعلم بأنها لن تجد ما تسد به رمقها هذا الصباح ،
فاستفاقت تصرخ بوجه الدنيا ، معلنة أنها جائعة . تريد أن تملأ بطنها الخاوية ، كما
يفعل الأطفال في جميع أنحاء المعمورة .
اليوم هو الأول من رفع حظر التجوال . قفز من فراشه مسرعا إلى الحمام ، وذهنه
يسترجع الأيام الستة التي قضاها عاطلا عن العمل بسبب المعارك الحامية التي اشتعلت
في قلب المدينة ، ثم ما لبثت أن أرسلت حممها إلى بقية الضواحي والأحياء .
فتح الصنبور . بسط كفيه . وضعهما تحت الماء المنهمر بغزارة . كان اليوم الأول من
المعارك بمثابة يوم استراحة له . أما في اليوم الثاني . . فقد بدأت معالم الأزمة
بالظهور . سبع بنات مع أمهن . . ولا معيل لهن سواه . ولم تزل المعارك مستمرة .
انتظر الفرج يأتيه في اليوم التالي . دون فائدة . بل كانت الأمور في تفاقم ، إذ
نفدت في ذلك اليوم المئونة من بيتهم . عندها باتوا ليلتهم دون عشاء .
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يبيتونها جياعا . سبق وأن فعلها بهم صدام ، إذ
أشبعهم جوعا . كيف للمريء أن يشبع من الجوع ؟ .
ضحك في سره . نظر للماء المهدور على كفيه . لعل الدماء التي أهدرت قبل أيام تفوق
هذا الماء بكثير .
غسل وجهه . ثم آب إلى غرفته . ارتدى ملابس العمل . أبصر امرأته وهى تهدئ ابنتها .
تذكر وجهها حين جاءتهم يوم أمس خاوية اليدين ، بعد أن اعتذرن لها كل جاراتها عن
المساعدة . قلن لها أن الحال من بعضه . كما إن أزواجهن هن الأخريات قاعدون عن العمل
أيضا .
طيلة أمس ، لم يأكلوا إلا بعضا من حروف الخبز اليابس .
_ حتى ابن صبحة ما وصلها لهذا الحد .
كنا أيام حكمه نتغدى ولا نتعشى . أما الآن . لا هذا و لا ذاك . البطن خاوية . تكاد
تجف من قلة الأكل . والجوع أنهكني حتى أثر على حيويتي في الحركة . الحمد لله .
فالأزمة انتهت الآن .
خرج من داره مسرعا يحدوه الأمل في استحصال قوت عياله . رأى جاره يمشى قبالته . وقبل
أن يحييه . بادره الجار قائلا :
_ إلى أين ذاهب ؟ . . . ارجع أحسن لك .
وخزه بنظرة حيرى من غير أن ينبس .
أردف الرجل :
_ لقد نشب القتال مجددا .
قالها وهو سائر في طريقه . دون أن يتوقف عن مشيته . فيما بقى هو مشدوها بهذا
الخبر الذي حطم له أعصابه . هل يرجع ؟ . ماذا يجد غير ثلة من البنات يحطمهن الجوع
.
رجع عدوا إلى بيته . فتح احد الدواليب في غرفته . أخرج منها بندقية . تأكد من
جاهزيتها للرمي . عبر عتبة الباب . رمى اطلاقتين في الهواء . ثم حث الخطو عدوا نحو
السوق . . .