حزب البحر
حزب البحر
يحيى بشير
شاء الله أن تدهسه سيارة طائشة في العاصمة ، قبل تسريحه من الخدمة الإلزامية بأيام ، وكالعادة حضرت الشرطة العسكرية لتكتب ضبطا في الحادث ، كما حضرت سيارة الإسعاف لتنقله إلى المستشفى العسكري وفي الطريق أسلم الروح إلى بارئها .
وعند البحث عن هويته العسكرية للتعرف على شخصيته وقع في أيدي المسؤولين كتيب صغير عليه عبارة "حزب البحر" .
نظر بعضهم إلى بعض ، وأعلنوا جميعا :أنهم لم يسمعوا بهذا الحزب من قبل .
كان لابد من رفع الأمر إلى المخابرات لتضع يدها على خيوط تنظيمية لحزب جديد هو حزب البحر ؟!!
وتدوالت الأيدي الكتيب الصغير ضمن إضبارة تتضخم ليضاف إليها شروحات وتوضيحات ، وليعلن الجميع براءتهم من معرفة هذا الحزب . فمخابرات الأمن السياسي أعلنت أن ليس في صفوف المدنيين من عمال وفلاحين وأساتذة وطلاب وحرفيين ، حزب بهذا الاسم .
ومخابرات أمن الدولة أكدت أنها لم تسمع بهذا الحزب لا في القطر ، ولا في الدول المجاورة ،فلو كان حزبا وافدا لكان عملاؤها أخبروها بدخوله إلى البلاد!!
وسقط في يد المخابرات العسكرية ، فالكتيب الذي يحمل اسم حزب البحر ، ضبط مع عنصر عسكري ، لا مدني ، وهذا العنصر قد فارق الحياة ؟!
ولكن بعضهم لم يعدم الذكاء فأشار على زملائه بعرض الكتاب على المختصين لمعرفة مؤلف الكتاب وتحديد السنة التي طبع فيها .
وهكذا كان .. فقد توصلوا من خلال حروف مطموسة مر عليها عهد طويل ، إلى معرفة اسم المطبعة ..ولم تكن فرحتهم أقل من فرحة "أرخميدس " حين صاح وجدتها !!
فاتصلوا بالمقدم المسئول ليعرضوا عليه نبأ اكتشافهم ، بعد أن تعرفوا على اسم المطبعة ، التي يطبع فيها الحزب منشوراته … وبدوره لم ينتظر المقدم طويلا ، حتى جهز حملة من أربع سيارات مداهمة ، لاقتحام المطبعة ، و اعتقال صاحبها .
وعند الفجر تقدمت السيارات ، وأحاطت بالمطبعة التي كان صاحبها قد أغلقها منذ أكثر عشرين عاما بسبب غلاء الورق ، وهجرة اليد الفنية العاملة اعترف الرجل الكهل أمامهم ودون أية ضغوط بأن الكتيب طبع في مطبعته وذهل عناصر المخابرات
_ أنت طبعته ؟!!
_ نعم ،أنا طبعته ؟
_ لماذا ؟ وكيف تطبعه ؟!
_ لوجه الله يا ابني ….
صاح أحدهم وقد تشنجت أعصابه : كيف تقدم على طبع منشورات حزب ممنوع ..؟
مرت فترة من الصمت ..والعجوز يحدق بعينيه الذابلتين في وجه قائد الدورية وقد أدرك اللبس الذي وقع فيه .. فأخرج كتيبا آخر ، ودفعه إليه قائلا: وهذا أيضا أنا طبعته …
نظر رئيس الدورية مندهشا ، فالكتيب مطبوع عليه : حزب الإمام النووي فصاح وقد ألهبه برودة أعصاب الرجل العجوز : حزب الإمام النووي ؟!!
ضحك الرجل في أسى عميق وهو يقول : الحزب _ يا ابني _ مجموعة من الأدعية المختارة ، يجمعها بعض الصالحين للدعاء والبركة ، وهي ليست كما تظنون تجمعات سياسية .. ألم تقرؤوا القرآن ؟
قال أحدهم : بلى !
فقال الشيخ العجوز : القرآن مقسم إلى ثلاثين جزءا ، وكل جزء ينقسم إلى حزبين .. والذي ينظر في مختلف طبعات القرآن الكريم يرى ذلك .
ارتفع صوت المؤذن من المسجد المجاور .. فانطلق الشيخ بهدوء وسكينة وعادوا ليستلموا مهمة جديدة تكشف عن حزب جديد …..