القفص الذهبي

حسين راتب أبو نبعة

قصص قصيرة

حسين راتب أبو نبعة

[email protected]

1-    بحث عن الذات

كان يشغل وظيفة محترمة تدر عليه دخلاً يحسد عليه . و بعد مرور عام قرر دخول قفص الزوجية الذهبي ، تمت الترتيبات بسرعة و يسر و ما هي إلا أيام حتى سافر و عروسه إلى مكان عمله في بلاد الاغتراب. العروس تطل على المدينة من شباك الطائرة في أول رحلة جوية لها خارج الوطن. هبطت الطائرة و بدأت إجراءات الدخول و بعد نصف ساعة كان يدلف الى سيارة أجرة متجهاً إلى إحدى الأحياء المجاورة.

-        يالها من مدينة جميلة ، يكفي أنها تتكىء على البحر، همست العروس على استحياء ، و أردفت سائلة" هل مكان سكنك بعيد من هذه الربوع الجميلة ؟ "

-        لا ، سنصل بعد نصف ساعة تقريباً حيث أن الطرق مزدحمة و الإشارات الضوئية جمة!

بدأت المدينة الجميلة تكشر عن أنيابها ن وسيارة الأجرة تعبر مسارات و أزقة ضيقة...الحفر في كل مكان و السكان لهم سحنة و ملامح غريبة عليها لم تتعود على رؤيتها.

-       من فضلك توقف على اليمين عند مجموعة الصبية الصغار أمام المطعم الشعبي

أنزل السائق شنطتين كبيرتين و تناول أجرته بصمت و اختفى في ممر مجاور.

صعد العريس للطابق الرابع في بناية مهترئة تعاني من رطوبة متراكمة.حاولت العروس بعد مرور أشهر أن تقنعه بالرحيل لشقة أفضل لأسباب صحية ، فالشقة لا تخلو من نمل و حشرات زاحفة و طائرة و صراصير بمختلف الألوان و تتمتع بمناعة ضد المبيدات الحشرية!

العريس يتهرب من مواجهة الواقع و يرفض الانتقال دون سبب مقنع.العروس تبدأ في تحليل شخصيته مستعينة بما سبق أن قرأته من كتب علم النفس.لقد نخر البخل فيه كالسوس فهو ممسك في النفقات الأساسية .والمدينة واسعة الأرجاء و لا يمكن العيش فيها من دون سيارة و هو لم يفكر في الحصول على رخصة سوق....تمر الشهور و يرزقون بمولودة حلوة أضافت جواً بهيجاً على البيت ، و لما لم يظهر بصيص أمل في التغيير حتى مع المولودة الجديدة و تعطلت لغة التفاهم ، استأذنت الزوجة في السفر لبلدها لزيارة أمها المريضة تردد في الموافقة، و لما أخبرته أنها ستدفع ثمن التذكرة انفرجت أساريره و أبدى الموافقة .ذهبت بهدوء ، و امتدت الزيارة وطالت، و بعد أشهر كانت هناك امرأة مطلقة تنضم لقائمة المطلقات ، و في المدينة الكبيرة كان هناك رجل أشعث أغبر يبحث عن ذاته في مدينة لا ترحم.

2-    أزواج و أبراج

كان الزوج مولعاً بالابراج و قراءة الطالع م كان يتابع ما استجد من خزعبلات حول مواليد أبراج محددة مثل العقرب والثور والميزان.الزوجة تحاول التودد لبعلها في مختلف الوقات و تحاول ان تبادر في الحديث في بعض المواضيع التي يحب الخوض فيها كالمباريات و المسلسلات الا انها لم تنل منه الا صداً و عبوساً، حاولت جاهدة معرفة سر ادباره عنها و مجافاته و افتعاله الشجار في صغائر الأمور لكن دون جدوى.

ذات ليلة كان يغط في نوم عميق بعد عودته من عمل شاق و كان يسمع له شخير. تفاءلت الزوجة بشخيرة و حدثت نفسها بأن ساعة الحقيقة تقترب رويداً رويداً.تسللت على رؤوس أصابعها إلى غرفة النوم و أدخلت يدها بخفة متناهية في معطفه بحثاً عن لغز عزوفه عنها.

" ليتني أعثر على رسالة من امرأة أغوته أو سحرته فلم يعد بسببها يستمتع بكياني "- همست الزوجة الفضولية.

خشخشة أشياء في جيب المعطف أذهلتها..هاهي ورقة تبرز من محفظته كأنها حرز شيطاني ، تلتقطها بخفة و تقرأ فيها "عليك الحذر من مواليد برج العقرب ، فهم أكثر حقداً و أشد لؤماً. لا تتودد إليهم فتقربك منهم يفسرونه ضعفاً.أنت بحاجة للاسترخاء يا برج الثور، حافظ على جدار الصمت مع العقرب !"

أعادت الورقة إلى حيث كانت و بدأت تضرب أخماسا بأسداس في كيفية الخروج من الورطة.

ذهبت إلى أعز صديقاتها ،فسألتها عن تاريخ ميلادها بالضبط ، فقالت لها أنها ولدت بالضبط صباح يوم الرابع و العشرين من تشرين الثاني

صرخت واقفة : أيتها البلهاء أنت من مواليد برج القوس و ليس العقرب حيث أن العقرب يبدأ في الرابع و العشرين من تشرين الأول !

ما أن وصلت هذه الأخبار مسامع الزوج حتى بدأت تنقشع غيوم الخلافات و تعود المياه إلى مجاريها

3-    غضب و قهوة

غضب الزوج الطيب من زوجته و كان في العقد السادس ، رفع عقيرته ،أقسم عصراً أنها لن تنام الليلة في البيت و حذر أنها لو فكرت في مخالفة أوامره فستكون طالقاً. تسللت مثل أفعى بلا أنياب و غابت ليلتها عند بيت أبيها العجوز. في اليوم التالي و بعد صلاة العصر بقليل كان يطرق باب والد الزوجة، استقبله العجوز الحكيم بحفاوة و تعانقا، بعد أن وضع بعض الهدايا في زاوية الغرفة. رمقها بنظرة لا تخلو من حنان عتيق و حب سنين طويلة. بعد احتساء القهوة غادر وإياها و كأن شيئاً لم يكن.