عواد في حي الأكابر

م. محمد حسن فقيه

[email protected]

افترش عواد الأرض جالسا في الظل فوق العشب الأخضر البارد ، تحت شجرة المشمش الكبيرة ، مسندا بظهره إلى جذعها الأسمر الغليظ ، وسرح ببصره نحو الأفق الفسيح ، فاصطدمت المشاهد أمام ناظريه بالأشجار والخمائل المنتصبة الباسقة ، وثمارها المتدلية اليانعة ، والبلابل التي تقفز مغردة من فنن إلى آخر .

حول بصره نحو الفيلا الفارهة بل القصر الشامخ ، وقد انتصبت أمامه كقلعة شاهقة أو تحفة فنية رائعة ، بطرازها المعماري الأنيق ، وأحجارها المزخرفة الملونة ، ثم جال ببصره بين أحواض الزهور المصطفة على جانبي مدخل القصر المنيف ، وقد ضمت من كل ألوان الورود وأنواعها ، وجمعت من كل الشذا وعبيرالروائح أطيبها .

نهض متثاقلا ومضى ليقوم بإحدى مهماته الجديدة ، وفي طريقه مرّ بحانب نافورة الماء ، وقد بدت حلقات الماء فيها بألوانها المختلفة ، كوردة حمراء االتويجات ، خضراء الكأس ، بيضاء السبلات ، صفراء المياسم ، زرقاء المآبر .

منظر رائع ، وطبيعة شاعرية ، ورذاذ الماء البارد ، يلتصق على صفحة الخد المغبر بلطف ونعومة ، فيزيد من شاعرية  الجو ولطفه .

وعلى مقربة من شجرة اللوز ، على الجهة الشمالية من حديقة القصر ، يوجد حوض السباحة ، وقد صمم متدرج القاع ، و كسيت جدرانه وأرضه بالسيراميك الأزرق الفاتح ، حتى يبدو للناظر إليه كأنما يحدق في قبة السماء اللازوردية ، من خلال مائه المتموج الرقراق كالبلور.

كما وزعت الأضواء الكاشفة على جوانبه في أسفل الحوض قرب فتحات التصريف ومواسير التدفئة ، بألوان متعددة بألوان قوس قزح ، وانتشرت روائح الفل والياسمين لتغطي على رائحة الكلور المعقم ، كما نصبت الشاليهات والمقاعد الوثيرة على جوانبه ، كأنه مسبح لفندق  بخمسة نجوم .

ارتمى عواد على أحد المقاعد وحلّق ببصره بعيدا في السماء يراقب حركة الغمام وسعة الكون الفسيح وبهائه ، تنهد في سره متمتما : إنها قطعة من جنة الله في أرضه ، يا الله ما أجملها ! نعمة عظيمة منّ الله بها عليه .

نهض عواد متوجها نحو شجرة اللوز قرب المسبح ، حيث يربض الكلب (دلّول) فوق العشب الأخضر، يفتح فاه واسعا ويمد لسانه الأحمرالطويل لاهثا ، ليتبرد من حراة الجو، قدم له عواد وجبته الخاصة ، والمكونة من قطعة كبيرة من اللحم ، وتذكر حينها قريته البائسة ، وتساءل في نفسه ، هل تتناول أكبرعائلة فيها من اللحم في أسبوع ما يتناول (دلول) في وجبة واحدة ، وأما غرفته الخاصة وسريره الذي يرقد عليه لا يحلم بهما مختار القرية !وما يرمى في براميل القمامة كل يوم فقد ينيف عما تصرفه أكبر عائلة من قريته في أسبوع ، وما يفيض بعد وليمة فاخرة من أنواع الطعام والشراب هو أكثر من مصروف كامل أبناء قريته في شهر .

قلب يديه تعجبا ، مطّ شفتيه ، هزّ رأسه ، أغمض عينيه ، وسرح يفكر بعيدا ويستعيد شريط الماضي .

- إنك يا عواد شاب أمين ، وطيب القلب ، ولا أعرف كيف أشكرك وأرد لك الجميل .

- أي جميل يا سعادة الباشا ؟

- الحقيبة !! هل تعلم ما بداخلها ؟ إنها شقائي  وعمري .... بل كل حياتي .

 - غريب ما تقوله يا سيدي ،  وماذا فيها لأجل كل هذا ؟ هل بداخلها دواء لمرض عضال  لا سمح الله  ولا يوجد منه في  بلادنا ؟ .

قهقه الباشا حينها في وجهه مداعبا ، وربت على كتفه ، بالطبع لا يا عواد ، إن صحتي سليمة  ، وها أنذا أمامك كالحصان .

قطع شروده نباح (دلول) واندفاعه نحو السور، التفت عواد هناك فرأى طفلا بائسا شقيا يحاول قطف بعض الثمارمن شجرة الخوخ ، التي امتدت أغصانها قريبا من السور.

هذا الولد البائس من أولئك الأشقياء الذين حذره الباشا من أمثالهم فهؤلاء لا يدخلون هذه الأحياء لغير السرقة أوالتسول .

جرى نحوه خلف الكلب الذي اندفع أمامه وهو يصرخ عليه ، هرب الطفل الشقي لائذا بالفرار يسابق الريح .

سحب الكلب وعادا معا تحت الشجرة ليكمل الكلب وجبته المفضلة .

- ما اسمك أيها الحارس ؟

- عواد يا سعادة الباشا .

- عواد ؟ يا له من اسم جميل ! ولكن اسمح لي يا عواد أن أسالك ، هل رآك أحد حين عثرت على الحقيبة ، أقصد هل رآها أحد معك ؟    

- لا يا سعادة الباشا .

- ألم تحاول فتحها وتتعرف على محتوياتها ؟

- لا يا سعادة الباشا .

- ولماذا ؟

- لأنها ليست لي .

- لكنها قد تنقذ حياتك ، لو فتحتها ورأيت ما بداخلها ، يمكن أن تساعدك في الحصول على زوجة أنيسة ، ويكون لك بيتا وعائلة يملأون عليك الدنيا  بل أكثر من ذلك بكثير ، ممكن أن يكون لك منزلا .... بل فيلا وسيارة وحرس  و.....  ممكن أن تصنع منك باشا يا سعادة الباشا عواد !!.

- وما قيمة كل ذلك يا سعادة الباشا ، ما دامت ملك غيري  ، كيف ستكون زوجتي وأولادي ، إن كنت قد تزوجت بمال حرام وأطعمتهم مالا حراما ؟ ! .

- هزّ الباشا رأسه ، زمّ  شفتيه ، ذوى بين عينيه ، تضاءلت نفسه أمام نفسه ، حين سمع ذلك الجواب من عواد ، وبعد أن اطمأنت نفسه قليلا استدرك : إطلب يا عواد وتمنى ما تريد ، من الأموال ، من غيرها ، مما يخطر في بالك مكافأة لك على جميلك الذي ردّ إلي أموالي ، اعتباري ، حياتي ، بل كل شيء بالنسبة لي .

- إني أبتغي الأجر من الله يا سعادة الباشا .

ازدادت حيرة الباشا وارتسمت على وجهه علامات التعجب والاستغراب ثم أجابه أجرك محفوظ عند الله يا عواد .. أريد أن أكافئك بنفسي ردا على أمانتك وحسن صنيعك تجاهي .

- لا أطلب أجرا بدون عمل يا سعادة الباشا .

هز الباشا رأسه بعد أن أيقن أنه أمام نموذج غريب لم يمر عليه مثله من قبل ، أو لعله استثناء نادر ، مختلف كلية عن جميع من يعرفهم ويلتقي بهم ويكنّ لهم المودة ويقابلونه بذلك ظاهرا ، كبارا كانوا أم صغارا ، عمالا أو رجال أعمال .

أمين ؟ !.... ما كان يتصور أنه قد بقي من آثار الأمانة على الأرض بقدر ما يراه في عواد ،  فقير ونزيه ، أم غشيم وساذج  ولا يفقه ما أقول له وأعرض عليه ؟ أو لعله زاهد فعلا من أمثال أولئك الذين يحتسبون أعمالهم لله تعالى ويضحون بدنياهم لدار الخلود !!.

- كم مرتبك يا عواد ؟

- خمسة آلاف ليرة يا سعادة الباشا .

هز الباشا برأسه دون أن يعلق ثم قال له : إركب السيارة معي يا عواد .

- لا أستطيع ترك واجبي في الحراسة يا سعادة الباشا .

- إركب السيارة ودع هذا الأمر لي يا عواد .

- أي أمر يا سعادة الباشا ؟

سأستأذن لك من المقاول .... دع الأمر لي  ... إنه يعمل عندي ، هيا إقفل الباب واركب السيارة يا عواد ، وهأنذا أتصل بسيدك المقاول أستأذن لك .

انصاع عواد أخيرا إلى طلب سعادة الباشا ، وركب معه السيارة ، بعد أن استأذله من سيده القاول ، وما كان يعلم حينها أن  سيده المقاول والذي يحسب له ألف حساب يعيش على الفتات من سعادة الباشا ومن أعمال المقاولات التي ينفذها له .

ودخل بعد ذلك عواد ذلك الحي ، حي الأكابر- كما يحلو له أن يسميه - ولأول مرة .

 ما كان يعرف عواد من قبل أو يظن أن في المدينة التي يعمل فيها منذ خمس سنوات أحياء بهذا الشكل .

الشوارع : واسعة ، فسيحة ، نظيفة ، كأنما قد كنست بمكنسة ناعمة .

البيوت : فلل فارهة أو قصور وقلاع شامخة انتصبت على يمين ويسار الشارع ، وكل منها بديكور وتصميم متميز عما حوله .

الطرقات هادئة وخالية إلا من السيارات الفخمة ، بموديلاتها الحديثة وأنواعها اللماعة ، وزجاجها العاكس ، تتهادى وسط الشوارع ، تميس ميسا ، بدون أصوات وضجيج ، ومنبهات تقرع الآذان ودخان يلوث الأجواء .

علامة مميزة لا حظها من خلال الأسوار في أغلب تلك الفيلات : المدخل ، النافورة ، بركة السباحة ، أحواض الزهور ، كلاب الحراسة ، الحدائقي ، الحارس، التماثيل الضخمة المنتصبة أمام المدخل .

توقفت سيارة الباشا أمام مدخل القصر ، فبدا أمامه تمثال لأسد ضخم من الرخام منتصبا أمام المدخل ، كأنما هو أسد حقيقي يتربص بسارق يهم أن يلج القصر .

 وما هي إلا ثوان قليلة حتى تقدم رجل مسنّ ، فتح له الباب ثم أغلقه خلفه ، وجرى خلف السيارة التى توقفت إلى جانب سيارتين أخذتا موقعيهما في المرآب المخصص ، فتح الحارس الباب لسعادة الباشا وهو يقدم له التحية ، تناول منه الحقيبة ثم مضى خلفه .

دلف عواد داخل الصالة ، وجلس حيث أشار له سعادة الباشا فوق كرسي غاص داخله بلباسه الرث وشعره الأشعث ، ومظهره المهلهل .

دخلت سيدة البيت نظرت نحوه شذرا ، ثم حولت نظرها عنه  وقد ارتسم على وجهها علامات الإستغراب والإستنكارلاستقبال الباشا ضيفا مثل هذا ، أو إدخاله إلى القصر ، وقبل أن تفصح عن حقيقة ما يعتلج في صدرها من امتعاض ، وعن سر استغرابها لوجود مثل هذا الشحاذ المتسول ، قدمها له سعادة الباشا : إنه أنزه رجل قابلته في حياتي ..... إنه نموذج بشري فريد ...إنه رجل أصيل ...إنه أعظم من قابلت في حياتي ! هذا عواد الذي أعاد لنا الحقيبة بكل ما فيها دون أن يفتحها أو يعرف ما بها ، وفوق ذلك تصوري أنه يرفض قبول مكافأة على  ذلك ، لا بد أن تقنعيه بأسلوبك الخاص ! .

التفت تجاهه بعد أن تحولت نظرات الإمتعاض والاستنكار، إلى نظرات إعجاب وإكبار، أشادت بأمانته وطيبه وأصالة معدنه النادر ، بصمت عل كل ما وصفه به زوجها من لحظات ، وشكرته من أعمق أعماقها .

- هل أنت متزوج يا عواد ؟

- ومن أين لي بدفع تكاليف الزواج يا سعادة الباشا .

- إطلب من تشاء يا عواد من البنات وسأخطبها لك بنفسي ، سأخصص لك مرتبا ثلاثون ألف ليرة شهريا ، سأبني لك بيتا  في زاوية من زوايا الحديقة داخل القصر، وأسجله باسمك .

- أشكرك يا سعادة الباشا على هذا الكرم  وأعتذر لك ثانية فأنا لا آخذ شيئا بلا مقابل .

- ما رأيك أن تعمل معي يا عواد : سائقا ، سكرتيرا ، محاسبا ، أمينا لمخازني ومستودعاتي ؟ أو أي عمل تختاره .

- ولم كل هذا يا سعادة الباشا ؟ أرجوك ألا تثقل علي بأعبائك ، فأنا رجل بسيط لا أحمل أكثر من ابتدائية ، ولا أعرف قيادة السيارات ولا غير ذلك يا سعادة الباشا .

وماذا تعرف يا عواد ؟

 أنا لا أعرف يا سعادة الباشا غير الحراسة والعمل في الحقل ، فأنا فتى قروي من عائلة فقيرة بائسة لا تملك قوتها  .

- عظيم  ! ....  لقد وجدتها .... فما رأيك إذن أن تعمل حدائقيا لدينا تعتني بالحديقة وأحواض الزهور ، وتساعد العم  أبو أحمد البواب في أعمال الحراسة ؟

- وكيف أترك عملي السابق عند سيدي المقاول ؟

- دع هذا الأمر لي ، أما قلت لك إنه صديقي .

- وأن أعمل بأجر بقدر ما أستحق .

- كل ما عرضته عليك يا عواد هو أقل مما تستحق بكثير ، إن جميعه لا يساوي جزءا يسيرا مما أكرمتني به بجميلك الذي لا يقدر، فأنا أعطي العم فتحي البواب أبو أحمد عشرة آلاف شهريا هذا غير الهدايا والهبات والمكافآت ... وغير ذلك فهو يسكن عندي، وكل هذا مقابل عمله ، وأما أنت يا عواد .... أنت الآن بالنسبة لي انسانا آخر ، وحسابك غير ! .

- إنه مالك وحقك يا سعادة الباشا .

- ولو وجد الحقيبة غيرك واستأثر بها لكانت نهايتي إلى الأبد ، فالوثائق والعقود والشيكات والمستندات ... غير الأموال والمجوهرات ، لو أنها فقدت ولم تعد إلي  لما كفت السيارات الأربع والقصر بسداد الإلتزامات التي علي ، أرجوك يا عواد فإن موافقتك تريح ضميري ، وتطمئن نفسي .

 دعني أفكر بالأمر للغد ، وسأرد لك الخبر بعد أن أستشير .

- استشر من تشاء يا عواد ولكن أن تقول لا ، فهذا لن أسمح لك به مطلقا ، ولا تفكر به أبدا ، إنظر ما يناسبك من عمل  وأخبرني به فحسب .

صحا عواد من غفوة ألمّت به حين كان متمددا في ظل أحواض الزهور قريبا من بركة السباحة على أثر نباح (دلول ) وهمهمته كأنما هو في سعادة ونشوة .

ولما أفاق ورفع ناظريه رأى حوله عجبا عجابا ، ومشهدا غريبا ما سمع عن مثله من قبل حتى رآه  الآن بعينه .

وقبل أن ينهي عواد الشهر وقبل أن يستلم أول مرتب له ، وقبل أن يسافر إلى القرية بإجازة ليختار صاحبة الحظ السعيد .

جمع عواد أمتعته الشخصية ، وحشاها في حقيبته البالية ، مخلفا وراءه كل ما قدموه له من هدايا وأغدقوا عليه من هبات ومكافآت شخصية ..... ورسالة صغيرة .

عاد عواد يغذ السير إلى صديقه ورفيق دربه ومستشاره الشيخ صالح صامتا ، واجم التفكير ، مطرق الرأس .

- ها قد عدت بسرعة يا عواد ، لم يمض على غيابك شهر ، هل هي زيارة أم ..؟     

- لم أعد استطيع المكوُث أكثر يا شيخ صالح .

خيرا ! هل نكث الرجل بعهده ؟ هل تنكر لما أمّلّك به ووعدك ؟ هل غير رأيه ، هل غدر بك ؟ هل لفق لك تهمة ؟ ! ماذا حدث ؟

- لا لم يحدث أي شيء من هذا ، بل كان الرجل أكرم مما وعدني به .

ماذا حدث معك إذن ؟

لقد خفت على نفسي  من نفسي ، خفت أن أفقد ما قدّرت واحترمت لأجله .

- حماك الله يا عواد وحفظك من كل سوء ، إنك رجل أصيل طيب المعدن ، كلما زرتني أيقنت هذا في نفسي ،وترسخ هذا المعنى في ذهني أكثر، ولكن لم تخبرني بعد بما حصل .

- وعن أي شيء أخبرك ؟! عن الحفلة بمناسبة ميلاد المحروس مازن وما حصل فيها من منكرات واختلاط ، من موسيقى صاخبة ، وأضواء خافتة  ، ورقصات ماجنة ، ومظاهر مبتذلة .

- نستغفرك يا رب ونتوب إليك .

- أم عن المحروسة تهاني ابنة الباشا يوم أحضرت صديقها إلى المنزل وبعد تناول الغداء في الحديقة ، وشرب الكوؤس المعتقة ، نزلت برفقته إلى المسبح شبه عراة ! ولم أسمع كلمة احتجاج واحدة أو تنبيه من أهلها ، أو مجرد امتعاض من هذا التصرف الراقي المتمدن ، وكأن الأمر لا يعنيهم بقليل أو كثير !.

- اللهم اهدهم وأصلح شأنهم .

أم عن مازن ابن الباشا ، وهو كل يوم يمضي متأبطا فتاة ، ثم يمضي بها إلى غرفته الخاصة والباب مغلق عليهم  .

وفي اليوم الذي يعود فيه بدون صديقة يصل البيت مخمورا يترنح وهو في حالة مزرية ، لقد ألقى بنفسه على ابنة البواب المسكين في إحدى المرات ...... أمام أهلها .

- لا حول ولا قوة إلا بالله .

- سيدة البيت تخرج مع سائقها الخاص كل يوم تقريبا مع المساء صافقة بين الأسواق ، أو متنقلة بين النوادي ، ولا تعود إلا بعد منتصف الليل .

- إرحمنا يا رب .

- بماذا أخبرك يا شيخ صالح لأخبرك ، إن هناك ما هو أكبر من ذلك.

- وهل هناك أكبر مما ذكرت ؟

لا أدري فكله أكبر من كله.... حتى الصغيرة لينا التي لم تتجاوز العاشرة بعد .

- ما بها ؟

- زفر عواد زفرة عميقة ، وأطلق بعدها آهة طويلة ممطوطة ....

صحوت اليوم على همهمة (دلول) ... وما إن رفعت ناظري حتى رأيت .

- ماذا رأيت ؟

- رأيتها بعد أن خرجت من المسبح بلباس السباحة مستلقية على ظهرها في الحديقة وقد نصبت ساقيها الصغيرتين وباعدت بين فخذيها حيث جلس الكلب (دلول) هناك ، وهو يلحس بلسانه على بطنها الصغير الناعم المكشوف ، وقد سال لعابه ، وهو يهمهم بنشوة عارمة.....! ! .

- أغمض الشيخ صالح عينيه بكلتا يديه ، وهو يتمتم بتأثر عميق : استر يا رب .

عند هذا الموقف طار صوابي ، فقدت رشدي ، نفد صبري ، ثارت ثائرتي ، جن جنوني ، كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير ، كانت نهاية رحلة العذاب لضميري الموهن ، كانت خاتمة القلق والوساوس والهواجس .

جمعت أغراضي ، لملمت متاعي ، حملت حقيبتي المهترئة وغادرت مسرعا .

وفي المساء كان الجميع يتحلقون حول المائدة وهم يقرأون الرسالة الصغيرة التي تركها عواد بخطه البسيط المشرشر.

(أستميحكم عذرا في مغادرتي ،  مقدرا جودكم العميم وكرمكم الغامر، ومثمنا  تقديركم العالي وأدبكم الجم ، واحترامكم الراقي ، خجلا من لطف معاملتكم  ومودتكم لي ،  وثقتكم اللامحدودة بي ، داعيا لكم بالتوفيق والهداية ، ومتمنيا لكم السرور والهناء والسعادة  الدائمة .

  لكنني  لم أعد أطيق صبرا أكثر من ذلك ، لقد خفت على نفسي من الفتنة ، وأن أفقد الأمانة التي احترمتموني وأكرمتموني من أجلها ) .      

عواد.