الصفر يربح

ميسون أسدي

[email protected]

الجو بارد والموج عالٍ، وقلة قليلة من الناس على شاطئ البحر.. سارتا معًا، لا شيء يعكر صفاءهما سوى صوت وقع الأحذية على إسفلت الشاطئ، ورذاذ الماء المتطاير، الذي يلامس وجنتيهما بنعومة، والريح الخفيفة تخز العيون.. خلا الشاطئ من ضجيج زواره، سوى بعض ممارسي الرياضة العنيدين أو بعض العاشقين الذين انتهزوا فرصة خلو الشاطئ فتعانقوا مختبئين تحت المظلات الإسمنتية المنتشرة هناك.

في شحوب المساء الرائع وفي ساعاته الأولى، اعتادت منال الهروب من دوامة يومها الشائك، لممارسة الرياضة لمدة ساعة يوميًا على شاطئ البحر، بعيدًا عن البيوت وضجيج السيارات وأعين الناس لتتمتع بالهواء النقي، وكانت تفضل أن تصطحب واحدة من صديقتيها: كفاح أو شادية.. صحيح أنها لا تتطابق معهما فكريًا، لكنهما تلبيان حاجتها في تمضية الوقت، فهي حين لا تجد من يرافقها كانت تضطر أن تمشي لوحدها على الشاطئ، وتشعر بأن الساعة أصبحت دهرا طويلا. ويتكدر ذهنها من الهواجس التي تراودها، وما توحي لها بصيرتها، ويظل في روحها إحساس غير سار.

كان العرق يتصبب من جبينهما، وهما تلتقطان أنفاسهما بقوة في مشيهما السريع، وكأن هذه الرياضة فرضت عليهما فرضًا منزلاً، وإذ بكفاح تخترق الصمت، وتطغى بكلامها المتغانج على صوت أنفاسهما المتعالي بقولها لزميلتها منال، دون سبب وجيه- "من الباب للطاقة":

-         اسمعي يا منال.. هذا كثير.. لا يمكنني تحمله أكثر، فهو يريد ذلك لمدة ساعتين متتاليتين..

-         عما تتكلمين؟ من هذا؟ وماذا يريد؟!!

-         إنه زوجي، يعود مخمورًا كل يوم، ويمارس الجنس معي لمدة ساعتين وأحيانا أكثر، وأخبره بأني متعبة لا أستطيع المواصلة، وأطلب منه التوقف، لكنه لا يأبه.. فيشعل الضوء، بعد أن كان يطفئه في الماضي.. صفا له الجو الآن، بعد أن كبر أولادنا وبقيت أنا وهو وحدنا في البيت، يقضي الليل بطوله لاهيا معي..

قاطعتها منال بشعور مفعم بالدهشة قائلة: ألم تقولي، إنه يعود إلى البيت متأخرا، وتعج الخمرة في رأسه كل مساء؟!

-         لهذا السبب لا يكل ويطيل وقته معي..

-         ألم تقولي قبل فترة وجيزة بأنه هجرك في المخدع منذ ستة أعوام، فما عدا ما بدا؟!

تلعثمت كفاح وقالت: سبحان الله.. سبحان من يغير ولا يتغير..

سمعت منال ما قالته كفاح ولم تجب وبقيت مطأطأة رأسها في الأرض وقالت بصوت أكثر غنجا وتعبا بسبب الرياضة:

-         لن تصدقي يا صديقتي إذا قلت لك "بلا مؤاخذة"، بأن زوجي يحوم حولي منذ أن يأوي أولادي إلى فراشهم في الساعة الثامنة ولا ينتهي إلا بعد منتصف الليل..

-         هل أنت جادة؟

-         طبعا جادة، ولما تعتقدين بأنني أمارس الرياضة يوميا.. لكي أبقى بكامل قواي الجسدية.. استعدادا له..

استمتعت منال كثيرا بمشاهدة صديقتها وهي مشدوهة مما قالت، والحيرة والغيرة تلمع في عينيها. وقالت منال بمكر في نفسها: لن تكون أشطر مني.

في اليوم التالي، لم تستطع كفاح مرافقة منال في جولتها الرياضية، فاصطحبت بدلا منها صديقتها شادية، التي بدت مختلفة هذه المرة، فرائحة العطر تفوح منها وتكاد تسبب الدوار في الدماغ من شدتها. ولفت رأسها بشال زهري فاتح، ولبست ملابس رياضية بلون أحمر. ومنذ خطوتها الأولى على شاطئ البحر أخذت تلعن زوجها وخيانته المتكررة لها، فتارة تلعنه وتارة تمدح نفسها بأن الله منحها أولادًا أذكياء، وهم الأوائل في المدرسة، صحتهم جيدة، وهي تملك بيتًا وسيارة وشهادة، ولن تهتم للبغل الذي اسمه زوجها.

لكي لا تستمع منال إلى الاسطوانة المتكررة التي تعودتها من شادية، سرحت بخيالها بعيدًا، مستمتعة ببرودة الجو، حتى تنتهي ثرثرة شادية، أو تغير الموضوع المطروح، فهي امرأة مزعجة بفرحها وحزنها.

توجهتا إلى بعض الأجهزة الرياضية المصنوعة من الفولاذ، ويستعملها رواد الشاطئ لممارسة الرياضة، وهي لتقوية الظهر والرجلين واليدين وشد البطن وغيرها مما يستفيد منه الرياضيون، فاحتلتا الجهاز لتقوية وشد الفخذين، وتأرجح الجهاز فيهما للأمام والخلف، فنظرت شادية ضاحكة وقالت لمنال، هذا جهاز جيد للفخذين ويمنحهما المرونة اللازمة، وهذا ما يطلبه الرجال في يومنا هذا..

-         أي مرونة وأي رجال؟!

ضحكت شادية بصورة هستيرية، غامزة منال بقولها:

-         ألا تعرفين عن أية مرونة اقصد؟!

-         لم أفهم قصدك!

وضحكت شادية ثانية وبصوت أعلى، مع أن منال استغربت سبب ضحكها، قالت لها:

-         ألم تقولي بأن بغلك (زوجك) يخونك باستمرار؟

-         صحيح يخونني ولكنه يكون معي يوميا في الفراش، لا أريده أن يترك البيت ليحظى بالسعادة معي وتفرح به أخرى. ليبقى معي وفي بيتي ومع أولادي، نحن أحق به من محظياته، سأريه من أنا...

-         لكنك أخبرتني سابقا، بأنه منذ أن أنجبت ابنك الرابع والأخير، بالتحديد منذ أكثر من ثلاثة أعوام لم يقترب منك، بل يعاملك بمنتهى القسوة، وقد شكيت إلى أمه وأخيه الكبير، ولم يجدي ذلك نفعا؟

تأففت شادية في وجه صديقتها وانتبهت إلى أن منال لا تصدق ما قالته، فأردفت: لماذا تشككين في أقوالي؟ وماذا عنك أنت، فكلنا في الهوى سوى..

أجابتها منال فورا: زوجي يكون معي ثلاثة مرات في اليوم، في الصباح قبل إشراق الشمس، وعند المغيب. وحين يضيء نور القمر غرفة نومنا..

-         إعتقدت أنكما لستما كذلك، فزوجك فاتر الهمة ومنطفئ الموهبة..

-         إعتقدي ما شئت، فلم أخبرك مرة بأن زوجي يخونني أو أنه هجرني مدة ثلاثة أعوام.

أمسكت منال بيد صديقتها المتشنجة وقالت لها بلطف، تعالي يا حسنائي، سأدعوك الآن إلى فنجان شاي وعلى حسابي في المقهى بقرب الشاطئ، وشدت منال ضمها لصديقتها وقالت: تحضرني الآن طرفة، لا أدري أين سمعتها..

-         قوليها، فأنا أحب الطرف..

-         يروى، والله أعلم، أن عجوزين كانا يقامران في أحد الكازينوهات. واقترح أحدهما بأن يراهن كل منهما على رقم يطابق عدد المرات التي يمضي فيها مع زوجته في الفراش أسبوعيا.. فاختار الأول الرقم ستة، أما الثاني فاختار الرقم سبعة.. دارت آلة الحظ وجاءت الكرة على رقم صفر.. فنظر أحدهما إلى الآخر وقال: لو قلنا الحقيقة لكنا ربحنا!!

(حيفا)