عزف بأوتار حزينة
عوض عثمان عوض / سودانى مقيم بالمهجر
الصمت يخيم على أرجاء الغرفة التى يملاءها الهدؤ وصوت ساعة الحائط ..
التى تنبئ بنبض إيقاع الحياة وإستمراريتها , سعيد غارق فى بحور حزنه
وتفكيره خاطب نفسه بصوت مسموع:
(سامحك الله يا أبى الم تجد لى إسم آخر عند ولادتى غير سعيد ؟؟) ..
لسؤ حظى فإن إسمى لا يعبر عن واقعى على الأطلاق , تلقيت هذا الأسبوع من الضربات الموجعة تكفينى حزنا لعقد من الزمان , صدق من قال ان المصائب تأتى تباعا , تلقيت نباء وفاة زميلى سلمان بالمعتقل يوم أمس , وإستلمت خطاب فصلى من العمل اليوم .. وذلك لغيابى لمدة ستة أشهر رغم ان المدير يعلم أننى لم أكن فى إجازة بجزر الباهاما بل كنت متعفنا فى المعتقل , والضربة الأخيرة كانت من خطيبتى التى أرسلت لى ورقة بها أسطر قليلة , أنهت بها علاقة سبعة سنوات وإختصرت الأسباب انها ملت الإنتظار ونفذ صبر أهلها من طول مدة خطبتنا , ما أتعس حظى ليتنى أستطيع القفز خارج أسوار المكان والزمان , تذكر حديثه قبل ساعتين مع صديقه ناصر الذى أراد التخفيف عنه ...
- هذه ليست نهاية الكون يا سعيد ...
- ما أسهل الكلام يا ناصر .. حين تأتى الكوارث مجتمعة يصعب علينا
صدها ومواجهتها ( صمت لبرهة ) .. أول شئ سأفعله غدا سأقدم طلب
للمحكمة لتغيير إسمى ..
- هل تعتقد إن إسمك هو سبب النحس والبلاء وماهو الإسم الجديد ؟؟
- إسم سعيد لا يعبر عن واقعى ولا يهمنى الإسم الجديد ..
- لى سؤال أجلته عدة مرات وهو كيف تحملت فترة المعتقل ؟؟
- بأختصار يا ناصرالإنسان يمكن أن يتأقلم مع الجحيم نفسه ...
- هل كان المعتقل بهذه الوحشية ؟؟؟
- أفظع مما تتصور وأعتقد انى محظوظ ما زلت على قيد الحياة وأثرثر معك الآن ..
- رغم ذلك لا بد ان تزرع الأمل فى دواخلك للأيام القادمة ..
- إننا محكومين بالأمل على حد قول سعدالله ونوس ...
- أتركك الآن فأنت تبدو بحوجة لنوم عميق ..
- على العكس فأنا بحوجة ليقظة دائمة ..
فكر سعيد عن شئ يخرجه من هذا الحزن والإكتئاب , تمعن بالنظر داخل غرفته
شمالا ويمينا كان كالضائع فى صحراء جرداء وأخيرا وجد ضالته المنشودة , أنزل آلة العود من على سطح الدولاب , وبداء العزف بأوتار حزينة لحن يفيض حزنا
وكآبة طغيا على صمت و سكون الليل , وبدأ فى رحلته لمرافئ الأحزان وأصبح اللحن الحزين رفيقه الوحيد , كان يعزف والدموع تنهمر من عينيه , لسان حاله يقول: لن أخفي دمعاتي ولن أكتم الحزن في قلبي ... وكأنه يود غسل كل أحزانه وآلامه فى تلك الليلة الحالكة الظلام , ومازالت الألحان تخرج حزينة من أوتار عوده كأنها تقاسمه الحزن والإحباط وتخفف عنه ويلات الحياة , الحان حزينة تمزق القلب مثلما يمزق الرصاص أجساد الأبرياء فى العالم بلا رحمة ...