العروس

ثناء محمد كامل أبوصالح

العروس

ثناء محمد كامل أبوصالح

[email protected]

أنهت عقص آخر الخصلات في شعر أختها الصغرى, ومدت يدها إليها بالمرآة قائلة :

-       هاك .. انظري, ستنسى النساء العروس اليوم حين يرينك.

احمرتْ وجنتا الصبية ولم تعقب, وقامت لترتدي ثوبها الجديد ..

أما هي – هوازن – فقد هتفت بمرح وهي تضرب المشط على راحة كفها المفتوحة :

- هيا ..هيا..ما زالت الماشطة تنتظر.. دور منْ الآن ؟

وسرعان ما احتلت أختها الأخرى الكرسي أمامها, لتنهمك من جديد في تسوية شعر آخر..

تمتمت أمها – التي كانت تراقبها- ببعض الدعوات, والتمعت الدموع في عينيها, لكنها مسحتها قبل أن تلاحظها ابنتها .

رفعتْ هوازن رأسها قائلة : هيا ياأم .. لحظات وأنتهي, ويأتي دورك.

تنهدت الأم وقالت وهي تمسح بكفيها رأساً أشيب : أنا لستُ بحاجة للمشط, هه.. يداي تكفيان, المهم أنت.. كاد الوقت يداهمنا وأنت لم تمتشطي ولم تلبسي بعد.

لبرهة .. شردت نظرات هوازن ..تعلقت بالفراغ, وهمست كأنها تحدث نفسها : أنا ؟ ومن ينظر إلي أنا ؟!.. وبصوت أعلى قالت – وقد لاحظت النظرة الحزينة في عيني أمها - : لا تقلقي يا ست الكل..في خمس دقائق أكون جاهزة, صدقيني .

ضجت القاعة حين وصلت العروس بالزغاريد, ووقفت النسوة .. كل تريد أن تحظى بنظرة منها, وتطاولت هوازن ما استطاعت لتراها.. لكنها لم تفلح, فعاودت الاسترخاء في مقعدها تنتظر أن يخف الزحام..

وانفرج الزحام أخيراً حين اتخذت العروس مكانها, وانهمكت الصبايا بالنشيد والزغاريد, وكانت هوازن أحلاهن صوتاً وأشدهن حماساً.. ودارت العيون تدقق في الصبايا .. عيون الأمهات اللواتي يحرصن على حضور هذه المناسبات ليخترن أفضل العرائس لأبنائهن.. وهمست إحداهن مشيرة إلى هوازن : - انظري هذه الفتاة, سبحان الخلاق..هذه العيون وهذا المبسم .

أجابت الثانية وقد تعلقت عيناها بالوجه البشوش المتألق: - تبارك الرحمن.. هي والله نِعم ما أتمنى لولدي, ولكن ..كيف أعرف من هي ؟

طمأنتها الأولى : لحظات وأحضر لك أصلها ومن هم أهلهل ودراستها ..

وانتقلت إلى مكان قريب من هوازن, وما إن عرفت كل شيء عنها حتى عادت ببسمة مظفرة إلى صاحبتها التي أثنت على جهدها المبارك.. وبقيت العيون الأربع – طوال الحفل – معلقة بهوازن, تدرس النظرة واللفتة والضحكة والصوت .. ليزداد الإعجاب أكثر فأكثر..

حتى إذا غادرت العروس وانفضّ الحفل, امتدت يدا هوازن خلف كرسيها , وتلمست عكازيها المعدنين, ووضعتهما تحت إبطيها ..ثم ..رفعت نفسها بصعوبة وبطء, حتى استقرت واقفة..

ورفعت وجهها الضاحك المشرق أبداً, لتفاجأ بعيون أربع ترنو إليها بنظرات .. ملؤها الشفقة والحسرة !! .. فمن ترضى لابنها بعروس معاقة؟؟.