أبخرة ودخان 2

أبخرة ودخان

الصورة الثانية

مؤامرة الزواج

حسن حوارنة /جدة

[email protected]

كالمعتاد  اتسلل من بيتي عصرا لأغازل نفسي تحت شجرة المقهى العتيقة التي عشقتني وتتسلى بمحادثتي كأنها تراقب وتذكر كل شئ صديقي عدنان وجاري البعيد . بين دارينا مسيرة نصف ساعة . كثيرا ما التقينا في منتصف الطريق حيث نغير اتجاهنا إلى مقهانا . وقد أسميناه مقهى الشجرة .

 وصلت غير متعب بعد مشوار على الأقدام لمدة ساعة . الطريق له لغتـه وأسراره.

أسعد كثيرا بمراقبة المارة . كل واحد منهم يحمل في ظله ظل حياته . مظهره ، ملبسه. هيئة مشيه الخ  .

كان عدنان قد سبقني وطلب فنجان القهوة. ولكن الخبيث عامر أسرع  بإحضار قهوتي  لما رآني أتهادى على الطريق وفي جعبتي قصة عدنان .هذا الذي جلس على الكرسي بدلا عني.  ومرة أخرى أهداني عامر سيجارة  وأشعلها رغم ترددي.

جلسنا فوق سطور قصتــه . شربنا من نار مأساته . عصرنا شوك أحلامه المتعوسجة  والتي أدمت جسده حتى أظافر قدميه.

عدنان خطب ابنة عمته حياة وعقد القران في المحكمة ، وسار في حدائق حياته يحلم بالغد الضاحك .

الذي جمع بين عدنا ن وحياة  هو العمل الوظيفي في دائرة واحدة .

 عثمان والد عدنان اسكافي لا أكثر ولا أقل . وعمه عبد الصمد مثقف ترك الوظيفة للعمل الحر وأصبح من أصحاب اليسار المالي (لا السياسي).

 العم عبد الصمد رجل ذو خبرة واطلاع ، وقد لعب دورا طيبا في إقناع ام حياة بقبول الخطبة بعد جهد وهدايا وزيارات عائلية .

العم عبد الصمد هو بمثابة ألأب الروحي لعدنان الذي أكمل دراسته  برعاية عمه وعطائه المالي .

عدنان رشف قليلا من القهوة وقال لي . بماذا تسرح الآن ؟؟

قلت ببخار هذه القهوة ورائحتها وبعشقي لتلاقي دخان السيجارة مع بخار القهوة ومع اختلاط الرائحتين معا .

يا أخي لا تأخذك المعاني الشاعرية وتعال الى حياتي المليئة بالشوق والشوك معا .

قلت له متناسيا ما قاله عمه لي يوم أمس.

قال عمتي زوجة رجل لا يقدم ولا يؤخر .  لا أدري كيف يعيش معها .

إنها جنرال في بيتها، حاكمة   مستبدة .  قلـت  ساخرا هذا حسن تربي نسلها بشكل صارم .

قال لم ترزق بغير ابنة عمتي  وتتعلق بها  تعلق الحاكم المطلق بكرسي الحكم .

لا نقاش لا تحاور لا رأي غير رأيها .

 قلت ماذا تريد ؟ وقد عقد القران أصبحت حياة  ملك يمينك .

قال شبه باكٍ .  لقد مرت ثلاث سنوات على عقد القران وعمتي تريد أغلى حفلة  عرس  لتتغنى بها رفيقاتها من الأسر الغنية .

قلت وزوج عمتك من أصحاب الأملاك . قال وقد أنزل الفنجان ونظر وفي عينيه نار مشتعلة . ليته كان فقيرا .

وتريد شراء بيت لا املك ثمن باب منه .

إذن طلقها واشتر راحة بالك . وفجأة أخذ مني السيجارة التي لا أحسن حملها ورماها .

 منذ متى  تدخن ؟ اسأل الشيطان عامر فهو الذي يتبرع بها كلما أحضر القهوة . 

كيف أشتري راحتي بموت كل آمالي وجهودي .

النساء كثيرات وحياة واحدة منهن . قال اسكت اسكت لا تقتلني ولكن ساعدني.

خرجنا من المقهى على أن نعود غدا مساء، فالشجرة العتيقة لها سحرها في نفسي.

 لم يعرف عدنان  شيئا عن مقابلتي لعمه يوم أمس . لقد أوصاني بالكتمان .

هذا العم يحب ابن أخيه عدنان حبا جما . هو الذي أشرف على حياته حتى أكمل دراسته وساعده بالحصول على الوظيفة . وهو الذي دفع حياة وأقنعها بقبول العمل بنفس الدائرة .

 وكان يتوقع حصول هذا التوافق بظل الزمالة والمشاوير اليومية، ليوصلها لى البيت ثم يعود الى بيته وقد سلخ

من الوقت ساعة ونصف تقريبا .كم مرة كان يقول عدنان ، مشواري بعد الانصراف طويل ولكن جمال الحديث يطويه ونتذمر من قصره، فنقف  في ظل العمارة ، بعد أن تصل الى بيتها لأن الحديث له اول   ويمتد يمتد امتدادا لا نهاية له .

 ما احلى ساعة الأنصراف !!!! .

كنت دائما أثيره بالاستهانة بأحلامه وحيثيات يومياته فيغضب ويحاول الرجوع الى بيته او تغيير طريقه معي الى المقهى .

 بحثت طويلا مع عمه عبد الصمد شارحا  لهيب أفكاره ورغباته الجامحة .وأردفت قائلا يا عم هما ولداك ابن اخيك وابنة اختك .

تصرف تصرف.

قال ماذا  تقترح ؟

أجبت على الفور ، اليست زوجته  شرعا وفي سجلات المحكمة . قال منتبها ما ذا تخبئ يا خبيث ؟.

قلت بسرعة استأجر لهما بيتا  ودعنا نكمل الباقي .

أعجبته الفكرة وقال دعني اتصرف على صعيد الأسرة .

 إن الحياة كامرأة حبلى على الدوام وهي تلد يوميا كل جديد وغريب وعجيب.

 أم حياة امرأة عنيدة وملتزمة بالفخر من  بهارج كلام النساء أوالفزع من قذائف السنتهن .

تعيش الحيرة والخوف وحمى المظاهر معا ، وهذه الأمراض  تعجز عنها العيادات النفسية .

ابنتها حياة تعيش كفأرة مربوطة في غرفة فيها قط كبير . وارتبط قرار حفل الزواج بالأم فقط .

 عدنان عاشق مضطرب يخاف تفكك الأسرة من أجله .

 وتحت عادتي المستمرة خرجت الى المقهى  جارا نفسي وجسدي بحبل مشدود الى  مشكلتهم،  وكأنني جزء استهلك  كل ما فيه من عطاء ولم  يعد له قيمة .

وصلت الى هذا الخبيث عامر وأناخائف من ضيافته . هل يريدني أن أدمن التدخين وانا أكرهه وأنصح الآخرين بالشفا ء من هذا الداء.

تهاويت على الكرسي متعب الفكر لا أدري كيف أذهب وإلى أين  .

 هذا الإطار الضيق جعلني ألجأ الى بخار قهوتي الذي يفتح أمامي طرقا من الخيال  تحررني من نفسي الأمارة بالخير وبالعمل على مساعدة عدنان .

جلست وفي قهوتي  نداء من الفنجان أن اخرج من الموضوع .وقلت يا نفس اسمعي  ولا تتدخلي ،فضحكت بصوت وخزني كالأبر .

وفي اليوم التالي ذهبت إلى عدنان  فلم أجده في  البيت  . لقد نسي مشوارنا اليومي امس واليوم . لقد لعبت بي الهواجس . أتعبتني الظنون .

وقلت لنفسي غير اتجاهك واذهب الى العم عبد الصمد.

ترى ماذا اقول ؟ماذ أقترح ؟ والطريق اليه ملآى بالأسئلة المستحيلة والحلول الهاربة الى المجهول .

قد أقترح حلا يهدم كل الجهود .

وصلت الى دكان عبد الصمد . كان مشغولا بالبيع ولكن عدنان أطل برأسه من الداخل .

إذن حانت الفرصة . سأفعل المجهول في علم الأصول .

لماذا أتيت ؟؟ وخرج مندهشا .

اشتقت اليك يا هاجر ابن هاجر .

أتغازلني ؟؟ ثم دلف من  الدكان خارجا .

 كنت أريد أن اتبادل الأسرار مع عمه ولكن وجوده الغى المناسبة .

 قال تعال معي .

قلت إلى أين ؟

سأقابل حياة عند  والدتك .

وما دخل والدتي .

لعلها تزيل  خوف حياة من امها ؟

لا اعتقد انها ستقبل بذلك . أمي لا تعرفها ولا تعرف عن اسرتها شيئا .

قال متحسرا ، حاول يا أخي . أنت مثل  قارئة الفنجان تستلهم المخادعة والإمساك يتلابيب السامع كأن الحلول بيديك .

سوف ألقى حياة امام ...

وأردفت بسرعة تعال ندعوها  للمطعم .

قال لا لا ، نذهب لوالدتك . أنا لا أنسى طعامها كلما طالت بنا الدراسة في بيتكم.

إنها أمي الثانية .

أجبرني حديثه أن أغير اتجاهي، وقلت له سأسبقك الى  البيت لشراء بعض  الفاكهة.

وصلت بيتي مسرعا ، فرحت والدتي بقدوم عدنان، واعدت المائدة قبيل وصولهما بدقائق .

تناولنا الطعام والإثنان تتحرك شفاههما  بالطعام دون الكلام .

هبت عاصفة الخوف وتقاعست  أنسام الوفاق.  واحترت وسكت   ولا ادري لماذا.

ولكن أمي اختلت بالفتاة طويلا ، ثم غادرانا  بصمت .

 قلت للوالدة ماذا قلت لها ؟

قلت لها عدنان ولدي الثاني سأزوجه بفتاة اهلها أغنياء  وعندها بيت مفروش بأفخر الأثاث .

بهتت الفتاة  فقلت لها لا تضيعي حياتك في المجهول، لعل الله يفتح باب الرزق لكما ؟ من يدري  عن المستقبل ؟

 في اليوم التالي ذهبت الى المقهى كعادتي . بدأت اشرب فنجاني ببطء واعتناء.

قال الفنجان أنا أعرف عن قارئات  الفنجان  عندكم . ما هو محلك من الإعراب ؟

قلت  بشغف   انت تعربد ببخارك  وأنا استلهم .

 دخلت في سحابة الأبخرة فقال اين السيجارة ؟ اسكت لا تذكر عامر ، أنا أكره ذلك  وأخاف الإدمان . قهقه وقال مرحى .

فكرت مليا  وقلت للفنجان الذكي  هل تعتقد بان حياة ستغامر إن طلبت منها ذلك ؟

قال أفٍ لكم ايها البشر .  اذهب وشجعها  وارفع من طاقتها لتزيل الخوف.

 ذهبت فورا الى عمها . شرحت له كل شئ  وقلت تعاون معي .

 قال ماذا تنوي؟ 

أحدث عدنان بحضورك ، قال افعل فورا .

وجئنا في  اليوم التالي  وفي جعبة عدنان حيرة ودموع سالت على الشارع .

قلت له تشجع، أنما سأحل المشكلة . ٌقال ساخرا هل استشرت فنجانك . هل أوحى لك الشاعر نزار قباني بقارئة الفنجــا ن ؟؟

لا يا أخي ، إن فكرنا ببطء وهدوء وشجاعة المنطق وبعد النظر سنجد الحلول علىطول.

 (سخر مرة أخرى وقال على طول يا حبيبي على طول).

وعند عمـه فجرت القنبلة الفكرية بقوة .

قالا  أفصح سريعا .

قلت تستأجر بيتا صغيرا فورا وسأعيرك غرفة نومي الصغيرة ووالدتي ستهديك بعض أواني المطبخ. وقال عمه فورا أنا عليّ الباقي .

يا عدنان وماذا ستعمل ؟؟ قال وفروا ذلك وسأفي بالباقي .

قلت وكيف ستتفق مع حياة ؟. قال أمك  غيرت مسار حياتها  وتفكيرها وأصبحت تخاف علي وتغار علي ولا تخاف من أمها .

 قال العم عبد الصمد سأعمل مؤامرة تتحدث عنها الأوساط العسكرية الاجتماعية .

سبحان الله اردفت فورا ،وهل يوجد جيوش اجتماعية ؟ قال نعم وحماتك يا عدنان أي اختي جنرال في أحدى فرقها .

 وهمس العم وقال سأزور اختي مع عدنان هذه الليلة لطبخ الخطة . لا تخبروا أحدا .

 وفي اليوم التالي ذهبت الى معبدي معبد التفكير فيما صار وما سيصير.

وفنجاني الذكي أصبح غبيــا هذا اليوم ولم يتكلم. قلت انطق ، قال اصبر وسوف ترى .

 جاءني عدنان يقرع بابي بقوة اخرج اخرج . فخرجت ونسيت أن أقول له مرحبا ، قلت خيرا خيرا .

قال عمي ذهب وحمل معه معطفا عسكريا  بأربع نجوم . ألبسه عمتي  وقال حيوا الضابط المغوار .

 يا أختي سيشتري عدنان بيتا وسأساعده .فرحت وقالت الآن وقفت على ناصية الطريق الصحيحة .

 ثم بدأت المناورة بعد يومين او ثلاثة .

 وقف عدنان  قريبا من بيت عمته ولما خرجت حياة  قال خالك  سيريك البيت  قبل أن نذهب الى  الدائرة  والبيت قريب .

 وبالفعل ، كنت أنا  والعم عبد الصمد ووالدتي وزوجته  وأم عدنان بانتظار قدوم العريسين .

 وقد رتبنا طعام الإفطار  والأمور الأخرى .

 لم تخب ظنوننــا . وصل موكب العريسين بكل فخامة البساطة ، وبجميع ملابس البراءة .

 وبتاج الإصرار على عمل المستحيل في وقت أصبح فيه الدخان (دخان المظاهر المكلفة ) يعمي الأبصار ويقصر الأعمار .

فوجئت حياة بالجمع وقالت هذا هو البيت يا عمي .

قال يا ابنتي انت زوجة هذا المتعوس فارأفي به وارفقي  بحالكما واسمعي .

لو أمضينا نصف العمر  بانتظار تحقيق مظاهر أمك وعشقها  لمديح المعجبات

 وخوفها من النمامات والمستغيبات والشامتات والحاقدات لن نصل الى شئ .

ألا تريدين عدنان قالت نعم .

قال إذن نتناول الإفطار والباقي يدبره خالق الليل والنهار .

 بعد ذلك طافت النساء بالعروس في غرفتي البيت المفروشتين ،وقالتا لما تزوجنا ونحن صغيرات،  لم نجد سوى غرفة ملحقة بالبيت ،وفراش وصندوق ملابس. ولكن الله يسر كل شئ بعد ذلك ونحن معك.

قالت وأمي . قال العم عبد الصمد وزوجته دعوا الأمر لنا .

 تركنا البيت وذهبت فورا الى دائرة عدنان  وقدمت طلبي اجازة فورية للعريسين.

 مضى اليوم الأول وهاجت أم حياة وماجت  وذهبت  لبيت عدنان ولم تجده . ولكن وجدت  كلمة واحدة .

 عدنان سافر ولا نعلم الى أين .

ذهبت للعمل ووجدت طلبي الإجازة .

حارت وفارت وذهبت لأخيها .  أين عدنان وأين حياة ؟ قال لقد سافر عدنان كما أعلم ولا أدري أين حياة . قالت لقد خطفها ، سأذهب للشرطة .

أجابها فورا هي  زوجته شرعا  ولا تملك الشرطة أي قانون لمنع سفر الزوجة مع زوجها .

قالت إذن فعلتها .

قال يا أختي سأدعوك اليوم على العشاء مع جمع من الأهل وتعالي مع زوجك .

 رفضت بشدة ولكن العم عبد الصمد قال سنرى .

 حضر الأهل (وللعجب كانت والدتي معهم) الى بيت أم حياة وكان زوجها قد رتب لوازم العشاء .

بعد أيام دعاني عدنان الى بيته الصغير  وفوجئت بالجمع من اهل العروسين يغنون ويرقصون وعلى رأسهم أم حياة .

شربت فنجان القهوة ولكن ليس في المقهى بل في الحفل وقلت يا فنجاني  لماذا لم تخبرني .

قال لأنك قارئ فنجان فاشل .