الجلسة ...

الجلسة ...

أحمد ضحية

[email protected] 

 

ذات هيئتها القديمة الجافة .

لم تتغير مطلقا , سوى اضافات طفيفة , تبدت فى شعثها المتسعف , بشك يثير القلق والاحباط .

انزلقت يدى على  صحفتها .. تبدو  خشنة , متخشبة , لم تتغير. . ( المعادلات ذاتها , برودها تجاهى يشعرنى بمدى سخف " ارقام  " كثيرة تظن نفسها شيئا مهما فى هذه الحياة ..)..

فى العام الفائت حسمتنى اللعينة . لكن ساقرر حسمها هذا العام . . ربما اتملقها , واتودد اليها اذا استدعى الامر ! .. لن اكون اول او آخر متملق . كثيرون يفعلون ذلك مع الخواء . .

الوقحة تتحدانى ساثبت لها اننى فحل لا يشق له غبار ! لكنها مقرفة ..

حاول معاوية , صديقى , ان يعطينى انطباع افضل عنها .. كان يحبها وتنسجم معه . الوحيد فى شلتنا كلها الذى استطاع التمكن من قلبها البارد .

كثيرا ما اتهمنا اكثر عشاقها بانهم اغبيا  ولصوص . وفاخرنا انها لم تستطع الوصول الى عقل احدنا . نعلم تماما اننا كنا نخدع انفسنا . حينما نبخس قدرها . ومعاوية يحكى عن الليالى التى يقضيها معها ساهرين , يتناجيان فى حميمية .

ذات مرة اعتبرناه سخيفا.. مقتناه لحين , فطردناه من الشلة , لم يقوى على مفارقتنا فركع مستغفرا , واقسم انه لن يتغزل فيها مرة اخرى بحضورنا . رقت قلوبنا لحاله - فنحن رقيقى الحاشية دائما ! -  وهذا ما يجلب لنا المتاعب !.. اعتمدناه مجددا , لكن قيدنا اسمه بالرصاص ...

راودتنى فكرة مستميتة بالذهاب الى البحر  محاولة اخرى للهروب من التشتت فى مسارب القلق . قذفت الكتب الدراسية كيفما يتفق , ويممت شطر النيل . حلت فكرة خبيثة محل الاولى : لم لا اذهب الى كلتوم بائعة الشاى ؟ .. ستخفف عنى احباطاتى قليلا ! ستكرر ذات حديث البارحة , وتسبل اهدابها على عينيها التى تشبه ال .. - لا ادرى فهى على بعضها كالسعلاة !-.. وتدعى الحياء امامى  وانا اعلم ان هناك ما هو غير الشاى تبيعه . وانها اقسمت على القضاء على اى قرش يتحاوم فى  الشارع .. الذى لا تعلمه ان جيوبى لا شىء فيها سوى بيوت العنكبوت .. لم تستمر هذه الفكرة طويلا . فقد قفز الى ذهنى الذهاب الى البيت . لكن .. اللعنة .. سيطرق الباب وتصرخ امى :

- ما سامع الباب يا ولد ؟ ..

انها لا تريد ان تقتنع باننى كبرت كثيرا ولم اعد ولدا ... ويبكى ابن اختى الصغير , فتنتهرنى :

- سكت الولد ..

وحين يرفض ابن اخى الذهاب الى الدكان تصيح بى :

- ما شايف وداخوك دة ؟!..

اللعنة تحول بيتنا الى روضة اطفال .. يتزوجون ويرمون بلاويهم علينا . لا نراهم الا فى الضراء والسراء ..  وساكرر ذات السؤال اليومى :

-  من الذى اخذ القلم والاوراق من هنا ؟

وكما هى العادة سيتواطا الجميع بالصمت . وان اضطررت لمعاقبة الاطفال . فهذا يعنى  اننى فتحت بابا لا قبل لى بسده .. ستحاول جدتى تهدئتى وتحدثنى عن زمن الترماى والتعريفة والحياة الرخوة . ستحكى عن الخواجات والمامور وناظر المحطة . وتتمتم :

- زمنكم كعب يا ولدى .. حليل زمنا  انتو مظلومين .. ما حضرتو شىء ..

وساقف امام ابى واخاطبه بوقار , سيقول لى :

- الظروف صعبة الايام دى . اركب قدميك . لا داعى للمواصلات حتى تفرج ..

وعندما احضر  ظهرا ساجد الغداء كالعادة ثخينة  وافضل الايمان ام رقيقة .. وعندما يأتى المساء ستتشاجر  امى مع ابى .. لا بل سيتعاركان . فدائما تقرع هى طبول الحرب اولا .. وسيشاركها سلاح الموسيقى ( احفادها )  حتى يتبين الخيط القرمزى من البنفسجى .. فيهدا الصراخ .. واكتشف اننى لم اذاكر شيئا ولم انم .. فانهض لابحث عن دفاترى القديمة , وكتبى مملؤا بهموم يوم لا ينتهى على خير بالتاكيد !..

ياله من برنامج ممل وقاتل يبدو ان فكرة الانتحار ستاخذ حيزا جيدا فى نفسى ...

معاوية لم يعد هذه الايام يخشى ان نمسح اسمه من الشلة , اذ بات يحدثنى بهيام عن تلك المتباعدة , متجاوزا الخطوط الحمراء ..

قلت فى نفسى لاحاول التجاوب معها .. كثيرا ما اقول ذلك لكن عقدة كرامتى , التى اهدرتها العام الفائت تقف حائلا دون ذلك .. ساحاول هذه المرة التجاوب معها , علها تتنازل من موقفها منى !.. الحقيقة انها تستغل سياسة ضبط النفس التى انتهجها ...

امسكت بها مقلبا احساسى على صحفتيها , كانت كعادتها باردة , حاولت اقحام عقلى فيها . لم يجدى اسلوب التنويم المغنطيسى هذا نفعا ..انها لا تتعاطف معى .. اترى نزوة قد نبتت ذات ظلام تملكتنى ؟!.. المسألة مسألة كرامة ومبدأ هذا كل ما فى الامر ببساطة .. حاولت معها مرة اخرى شعرت بها تطأ كبريائى , وتريق ماء وجهى .. احسست بأننى فاشل .. يبدو انها ستحسمنى هذا العام ايضا ..

السنة الماضية اهملتها عنوة , لم اعرها انتباها وتبجحت كثيرا , حتى لا اتهم بالغباء . فالحقيقة اننى لم اهملها تماما .

نجح صديقى معاوية ان يجعلن اتعاطف معها هذه المرة . لا بل اننى اقول ذلك ارضاء لغرورى الذكورى . فالغبى لونجح فى اقناعى انها الاقوى لما ابديت تعاطفا .. مع انها فى واقع الامر فى الموقع الاقوى .. ثم ان الوزارة بغضها وغضيضها معها .. وانا( ابطى والنجم ) كما يقول المثل .. اذن لنقل انه ارضاء لغرورى , انه اقنعنى .. ساحاول التقرب اليها مرة اخرى , علها تجبر بخاطرى ..

تلمست ساعديها .. خيم الصمت على كلانا , قلت " لاحللها " ثم " احصى " لها ما بدواخلى من مشاعر " مكعبة ومثلثة " وليتنى لم الامس " دائرتها " اذ اشاحت بوجهها بعيدا .. يبدو ان محاولاتى اليائسة لم تنطل عليها .. فهى تعلم تماما اننى افضل ابتلاع الجمر على المحاولة معها ...

اخلى لنا معاوية الغرفة .. تركنا وحدنا . نظرت اليها بتهيب . وضعت الكرسى على المخدة.. ما بالى ابدو مرتبكا  .. اقصد المخدة على الكرسى .. قلت هكذا سيكون الامر معها .. الا ابدو مرتبكا ؟ !! .. وضعت الكرسى على مؤخرتى .. كان لدنا .. المضامين البديعة اختفت هذه الايام .. كان الجو مهيئا , فالثقب المتسع فى سقف السماء , يبدو عليه الامتلاء بماء البحر والغيم .. تلاشت حرارة النهار الصاعقة تلك . اختفى الناموس واكتسى الليل

بهواء عليل . لكن .. اسفا انقطع التيار الكهربائى .. لكم اكره الظلام ..

بدأ ضؤ الجسم الاسطوانى  الابيض الاسطوانى يتراقص  على صحفتها .. احسست بهما يتعانقان .. يذوبان فى قاع الذاكرة .. لم اعد اتذكر شيئا .. قلت لاحاول مرة اخرى .,لكن كان ذلك  صعبا فقد تداخلت بجسمها "ا لمنحنى "  فى " احداثيات " الهالة الضوئية .. اخترق سكون الصمت دخول معاوية :

- ها .. حسمتها ؟..

- ليس بعد ..

- لكن  تبقى وقت قليل للامتحان .. اخشى ان تحسمك كالعام الفائت ..

- ساحسمها ..

- غدا لناظره قريب ..

وخرج معاوية , ليواصل مذاكرته فى الغرفة الاخرى .. حاولت معاودة الكرة , لم تعرنى بالا .. اصبت بنكسة عميقة الجرح  فى داخلى ...

هزمتنى .. محاولاتى البائسة لم تجد نفعا . والامتحانات على الابواب , اغلقت كتابها . واقسمت الا افتحه ابدا :

- الرياضيات اللعينة ..

لقد ذهبت محاولاتى معها ادراج الرياح