يوم الجمعة

يوم الجمعة

" من يوميات امرأة محاصرة"

سما حسن

يوم الجمعة هو اليوم الذي ينتظره تلاميذ المدارس، ليكون يوم اجازتهم، أتوعد أطفالي  منذ ليلة الجمعة، وأمنى نفسي بإجازة قصيرة لالتقاط الأنفاس، ولو حتى  على الأقل  بزيادة ساعات نومي ساعة واحدة.

أتوعد صغاري بالويل والثبور إذا ما استيقظوا مبكرا، ولكنني اول من يخلف التهديد والوعيد، لأن جهازي العصبي قد اعتاد على موعد معين من  الاستيقاظ وهو موعد آذان الفجر، فاستيقظت هذا اليوم المبارك في نفس موعد استيقاظي، وصليت الفجر… وقرأت آيات من القرآن الكريم… وفتحت جهاز الحاسوب،ولكن الهدوء الذي منيت نفسي به كان نوعاً من العبث، لأن صغيرتي استيقظت.. وتظاهرت بالحرص على صلاة الفجر، ولكنني كنت أعرف الحقيقة.. فهي تريد  أن تبدأ يوم الإجازة مبكرة، وها هي ترفع رأسها متظاهرة بالتثاؤب… وتعدني بأنها ستصلي الفجر… وتعاود النوم……

وبالفعل فقد صلت الفجر… وعاودت النوم بعد أن دست القطة الصغيرة تحت فراشها، ونامت الصغيرة لساعة كاملة عاثت خلالها القطة  في  البيت تخريبا وتدميرا، ولم تجد لها أفضل مكانا للهرولة بأقدامها الخفيفة من وجوه أطفالي الباقين الذين يغطون في نومهم.

 في العادة نحن نحتفظ بالقطة على باب البيت في علبة كرتونية خاصة بها، ولكن ابنتي فتحت باب الشقة لها لتنسل في هدأة الفجر… وتصبح متفرغة لمزاولة أول نشاطاتها وهو: القفز فوق وجوه أطفالي………

بعد أن أمطرت الصغيرة بوابل من اللعنات الصباحية التي ورثتها عن جدتي، ألقيت بالقطة خارج باب الشقة "بلا شفقة" وشرعت أدير الغسالة لأستغل وجود التيار الكهربائي، فغزة لاتزال تعاني من مشكلة انقطاع الكهرباء، وعليّ أن أنتهي من غسل الملابس، ثم أعددت الافطار…….

كان افطارا مميزا، وليس على غرار الوجبات اليومية السريعة، مستذكرة وجبات أمّي في طفولتي حين كانت تخصص يوم الجمعة، لتعد لنا الفلافل في البيت، حيث كانت تقوم"بنقع" الحمص والفول المجروش في الليلة السابقة، وأصحو في الصباح على صوت معاركها مع أبي حول عمله وتأخره وانشغاله عن البيت، ومع ماكنة طحن الفلافل اليدوية، ولم تكن المطاحن الكهربائية قد انتشرت في ذلك الوقت.

ثم تبدأ أمّي بقلي الفلافل مستخدمة يديها في تكويرها، وأستغرب من قدرتها على تشكيل الفلافل بنفس الحجم، وكأنها قد  أعدت بقالب، ويُعد أبي -محاولا كسب رضا أمّي- السلطة العربية بالزبدية الفخار، وأقوم انا بقلي البندورة في  مقلاة عميقة……

ولذا فأنا أحاول تقليد أمّي لأكون ربة بيت مثلها، ولكنني لا أجد الزوج الذي أتصارع معه حول انشغاله، فالزوج هو في مرحلة الغياب حتى اشعار آخر…………..

ولكنني أتصارع مع البطاطا.. وأنا أقوم بتقشيرها بعد سلقها ثم أهرسها مع البيض وزيت الزيتون……..

الخبز الساخن والبطاطا والبيض هي الطبق الرئيس في افطار ينتظر الصغار…….

ومقلوبة بالدجاج والباذنجان والبطاطا هي بانتظارهم على الغداء……..

الصغار يستيقظون أكثر تبكيرا مما وعدوني، وأستذكر نفسي في ايام الجمعة التي كانت في طفولتي، حيث كنت أبدأ الصباحات الماطرة فيه بالحديث مع إخوتي- ونحن في أسرتنا- حيث كنا ننام في غرفة واحدة، ولم يفرقنا أبي إلا بعد أن  أصبحنا في المرحلة الإعدادية….

الأيام كلها متشابهة، ولكن يوم الجمعة يحمل لي الكثير من الذكريات… ومنها اصرار أمّي يوم الجمعة مساء على تحميمنا جميعا مستخدمة الطشت والجردل والتنكة……

ربما هذه مصطلحات تطرق آذان البعض حديثا، ولكنني لم أجد لها المرادف الفصيح فكتببتها كما هي، كانت أمّي تقوم بتسخين الماء باستخدام البابور، وتطلب منا الاستحمام  بالترتيب، وتقوم هي بهذه العملية بالكثير من الارشادات: "نظفوا ورا دينيكم"

أهم شي نظافة ما خلف الأذن، وهكذا أقول لأطفالي الذين كبروا وأصبحوا يستحمون لوحدهم، ولكنني لا أنسى أن أنظر خلف أذني كل واحد منهم عند خروجه من الحمام، لأطمئن أنه قد نظف جسمه جيدا…….

في مساء الجمعة كنا نجتمع أمام التلفاز، لنشاهد الفيلم العربي الذي تبثه اسرائيل على قناتها العربية، كان هو الفيلم العربي الوحيد الذي ننتظره طول الأسبوع، ونجتمع أمامه كعائلة ونعيش على أحداثه طول الأسبوع ايضا، ونشوي الكستناء في أمسيات الشتاء.

عشت أجمل أيام حياتي مع افلام حسين فهمي وسعاد حسني وميرفت أمين ونجلاء فتحي، ولم يكن غيرهم يسيطر على الساحة الفنية……..

عشت مع البنت الشقية  مساء جمعة ما   في أميرة  حبي أنا………

وقضيت بقية ايام الاسبوع أفكر بحبيبي …………أنا… من سيكون؟