نومينيه

 

لبنى ياسين

[email protected] 

 مطلع شهر.................

لا شئ يبهج و يمقت في ذات الوقت كمطلع شهر... حين يأتي و زوجته على جناح اللهفة إلى رحاب المنزل الصغير ...يحملان في جعبتهما بعض الفواكه ...التي تنبئ بأن حدثا كمطلع شهر اطل برأسه على  تضاريس البيت المكتظ بأكثر مما يتسع ...

 و في جيبهما كنز متواضع من الليرات ... عليه أن يبتلع مشاكل الشهر كله و فواتيره و ديونه المبعثرة هنا و هناك ... عليه أن يسكب دفئا في حنايا المنزل و يطرد شبح الديون و يمحو بردها ...

يأتيان على أمل أن هذا الشهر سيختلف ـ لسبب ما لا يعرفانه ـ عما قبله و ما قبل ما قبله و ما قبلهما ... فلربما ـ أقول ربما ـ  كان هذا الشهر أقصر عمرا .. أو أطول فرحا أو اقل مصروفا أو اكثر بركة ... من يدري ... لعل شهر شباط يطرح بركته على بقية الأشهر فيقص من أجنحة أيامها الطويلة .

و ككل شهر ... يعقدان اجتماعا هاما ... تبدو على ملامح كل منهما جدية مؤتمرات القمة العربية و لا جدواها ... يمدان النقود على قدر الفواتير ... يحاولان تقصير المصروفات و الفواتير على قدر النقود ... فلا ينفع هذا و لا ذاك ...

و كالعادة يقصان من هذا ليلصقان فوق ذاك و يقومان بالترقيع بين هنا و هناك ... عل ذلك يجدي نفعا ... لكنه لم يجد يوما.

فاتورة الهاتف , الكهرباء,الماء, دين البقال,مصروف كريم و ديمة, أقساط البراد الجديد...

انتزع الرجل نفسه من لجة اللاجدوى المرعبة التي غرق فيها حتى الضياع و جر قدميه جرا نحو السرير ... آملا أن يستفيق غدا و قد حصلت معجزة ما ... أو هبط عليه مالا من السماء ...يزيح عن كاهله عبء معضلاته التي لم يجد لها حلا.

استفاق في اليوم التالي و لا شئ هبط عليه من السماء سوى فاتورة إضافية كان قد نسيها في معترك الفواتير التقليدية التي اعتاد مراجعتها شهرا بعد شهر ...

ارتدى ثيابه على عجل ... ليتيح لجسده المهترئ كجيبه الوصول إلى شركة الهاتف لدفع مستحقات الفاتورة قبيل  الذهاب إلى العمل ... جذب الباب وراءه مقفلا على بقية هموم النهار باب التأجيل لساعات عدة ... و مضى في طريقه ... و لم يصل إلى هناك إلا وقد تراشقت آلاف الأفكار العدوانية في رأسه مسببة له صداعا حادا .

و لحسن حظه المتعثر عادة ... لم يكن هناك من قد سبقه إلى صندوق المحاسبة ... اقترب من الصندوق.. لقم رقم هاتفه بسرعة للموظفة المتذمرة التي كانت راسخة في مقعدها كما لو أنها ولدت عليه ...  فكستها رتابةُ الأيام غبارَ القرف و الاشمئزاز ... بينما ظهر على ملامحها قدم هذا المكان و إيغاله في  عبثية الأشياء حوله ....

تلقفت الموظفة الرقم بسرعة اكتسبتها من جلوسها على ذات المقعد منذ آلاف السنين ... ضربته بسرعة على جهاز الكمبيوتر أمامها ... نظرت في الشاشة المضيئة ... ثم رفعت رأسها دون اكتراث قائلة تسعة آلاف و خمسمائة ليرة...

تسمر الرجل في مكانه بينما هرول حاجباه إلى أعلى دونما إرادة منه و تشنفت أذناه في محاولة لاقتناص الكلمات بشكل أوضح ...و بدا على المسكين انه لم يصدق ذلك الرقم الفلكي الذي قذفته الموظفة للتو في وجهه .

نظر إليها قائلا : غير معقول ... لا يمكن أن تكون هذه فاتورتي أنا ... ربما أخطأت ضرب الأرقام...

أجابته الموظفة بنزق واضح : أليس الرقم (7754354) با سم عبد القادر محروس .

أجابها و قد اسقط في يده : نعم تلك هي

ردت : إذن هذه فاتورتك بإمكانك أن تحصل على بيان تفصيلي بالأرقام ...

و بدون أن تنتظر جوابه طبعت البيان و رمته في وجهه بطريقة وقحة ... تلقفه الرجل بلهفة و أمعن فيه باحثا عن خطأ فادح قام هذا الجهاز اللعين بارتكابه ... لكنه تسمر في مكانه إذ رأى تكرار رقم إحدى المحطات الفضائية التي تبث أحد  البرامج الذي تطلب مقدمته و بإلحاح عادة من الشبان و الشابات الإسراع بإنقاذ نجمهم المفضل من بين المتسابقين إذ انه في قائمة (نومينيه) فكر في نفسه و من غيرهما كريم و ديمة ... قاما بعمل بطولي لإنقاذ المتسابق الذي تعرض لخطر الخروج من البرنامج نهائيا... و لكن من سينقذه هو بعد أن اصبح راتب الشهر (نومينيه) في جيبه و ليس ثمة محطة فضائية واحدة تقف في صفه لتعيد الراتب المبعد.

           

الهوامش:

نومينيه : كلمة فرنسية بمعنى الاستبعاد ...استخدمت كثيرا في برنامج ستار اكاديمي للترشيح المشترك للبقاء او الابتعاد عن البرنامج.