قبل المدرسة بساعة
"من يوميات امرأة محاصرة"
سما حسن - فلسطين
قبل موعد المدرسة بساعة…..
أوقظ الصغار
أصيح بهم ، هيا إلى الحمام وصلاة الفجر قبل كل شيء، الزحام حول الحمام الوحيد في الشقة الصغيرة ، وهذه أكبر غلطة ارتكبها من صمم هذه الشقة، وقد عاتبت زوجي في الأمر حين كان بيننا ذات يوم مساحة للعتاب، فقال: لم أكن افكر أنه سيصبح لدينا جيش، على اعتبار أن أربعة أطفال هم عبارة عن جيش في نظره، ولكنني أحتار كيف أحل هذه المشكلة ، وإن كان ابني الصغير يحلها بأن ” يطلع فوق سطح البيت أو ينزل للحديقة” ,أنتو فاهمين الباقي………..
وعلى ذلك فأنا أنظم دخول الحمام للبنتين قبل الولدين، لأنهما حتما لن تستطيعا التصرف كما يفعل ” ابني الصغير”.
الجلوس إلى مائدة الطعام ، بين يدي أرغفة الخبز الساخن: كل واحد يقول شو بده أحشي له ساندوتش للمدرسة؟
مارتديلا
جبن
مربى
حمص
أربعة شطائر في غضون دقائق وتلتف بأغلفتها الصغيرة، وأضعها في الجيب الخارجي لحقيبة كل واحد ، وإن كنت قد أخطيء في بعض الأحيان فأضع (ساندوتش) الحمص لابنتي التي طلبت (ساندوتش) مرتدلا………
تتذكر ابنتي: ماما بدي دفتر رسم
أصيح بها مؤنبة: ألف مرة قلت اللي بده شي يطلب قبل بيوم.
ترد ابنتي الكبرى: خلاص ياماما فيه دكان صغيرة بتفتح بكير وراح أشتري لها دفتر رسم واحنا طالعين عالمدرسة……
أمط شفتي بغير رضا، ,العن بداخلي اهمال الصغيرة واستهتارها
ابني الصغير يأتي ويصرخ: مين اللي رفع قنينة المية الكبيرة من الفريزر؟
أقول له: أنا……..
يصرخ: أنا بدي أخدها للمدرسة……..
طبعا مدارس الأونروا تفتقر للماء الصالح للشرب، ويصحب صغاري في حقائبهم الزمزميات التي أملأها لهم بالماء قبل أن يستيقظوا، وأضعها في الجيب الجانبي لحقائبهم……
اضحك من ابني وأقول: بدك تاخد قنينية لترين للمدرسة؟
يرد: ماهو الأساتذة بيشربوا مني………
ويقول وهو يغمز لي: ما بيلاقوا حد أنظف مني ليشربوا من ” ميته”
أبدي سعادتي لملاحظة ابني وإن كنت لا أحب الأفواه المتعددة التي توضع على زجاجة واحدة…….
ابنتي الكبرى تلتهم شطيرتها وهي تراجع في كتاب الرياضيات، حيث ستتقدم للاختبار بعد ساعة من وصلوها للمدرسة
تقول لي : ادعي لي ياماما
هاد أول اختبار من أول السنة ولازم أثبت حالي ( أدام) الأبله………
أرد عليها: قلبي وربي راضيين عليكي يابنت بطني
أتذكر هذا الدعاء الذي كانت تردده جدتي العجوز، ولا أدري كيف انطلق على لساني، كانت جدتي تمام انسانة طاهرة وغريبة، تتحدث بكلام مسجوع جميل، وكنت أحاول تقليدها ولكنني أجده السهل الممتنع……
أترحم عليها في سري، ويهبط الصغار الدرج المؤدي للشارع، وتطبع ابنتي قبلة على بطن كفها وتنفث عليها ، وتهتف: وصلت…….
فأرد: وصلت……
وتررد ابنتي الكبرى دعاء الخروج من المنزل: باسم الله
توكلت على الله
ولا حول ولا قوة إلا بالله………
يصيح ابني. ماما نسينا المفتاح
أبحث حول خزانة التلفاز فأرى الميدالية الفضية تتمدد فألتقطها ،وألقى بها من الشرفة، ويصر ابني أن يلتقطها بيديه المضمومتين، ويلاعبني وهو في الأسفل حيث يروح ويجيء ويرجوني: ماما سنتريها منيح……
اصرخ به بصوت هامس: احنا بنلعب كورة عالصبح
يغمز لي ويطير قبلة هو الآخر ويتلقف المفاتيح……..
يختفون وراء الباب المعدني
ويتركونني
وحيدة
مع الحاسوب
والمطبخ
وأفكاري…….. وأحزاني ………وأحلامي ………..لهم وبهم.