المدينة السعيدة

لبنى ياسين - دمشق

[email protected]

سموها المدينة السعيدة لأن كل الإحصائيات تقول أن جميع سكانها من كل الأعمار موفوري الصحة , أغنياء .. مقتدرين يسافرون كل سنة إلى أنحاء العالم للتنزه الباذخ , موظفي الإحصاء كانوا يمرون فقط في شوارع هؤلاء لأجل أن يتوخوا الدقة و الأمانة في تلك الإحصائيات , إذ أن فئة العبيد و العمال لم تحسب يوما من مواطني هذا المدينة السعيدة فكيف سيتم حسابهم في الإحصاء و خلطهم مع العرق الأزرق الملكي ... بالطبع هذا كان منافيا لاقل حصافة ديبلوماسية ممكن أن يتمتع بها مكتب الإحصاء , و للحق لم يكن ذلك المكتب ليرتكب هذا الخطأ الفادح فيخلط بين الأسياد و العبيد أو بين البشر و الحثالة .

على انه و في الضوا حي البعيدة لتلك المدينة أقامت حكومة البلاد الحكيمة أنفاقا لا ترى الشمس ملتوية التواء ثعبان ضخم ينوء تحت جدرانها كل من قال لا أو رفع عقيرته باعتراض صغير مهما كان نوعه حتى و لو كان على كمية الملح في الخبز فذلك كان يعد تدخلا سافرا في الشؤون السياسية للبلد و التي لا يمكن أن يفهمها أو يقوم عليها شخص من الرعاع , لذا و لصالح البلد و لأجل ازدهاره و أمان و سلامة شعبه , عفوا ( نسيت من هم شعبه بالضبط) , و لاجل أن يظل الشعب موفور الصحة سليم البنيتين الجسدية و النفسية ,  كانت سياسة الدولة الحكيمة تجمع كل من فتح فمه لأي سبب غير الأكل و ترمي به في ظلام إحدى تلك السراديب .

استفاق الناس ذات يوم ليروا إجراءات أمنية غير متوقعة و تدابير غريبة تأخذ مكانها في الشوارع الفاخرة للمدينة , تلك الشوارع التي يعترف بها مكتب الإحصاء , نظر الناس في عيون بعضهم دهشة لكن أحدا منهم لم يجرؤ على السؤال فظل السؤال  معلقا على لهاة الناس و قد كمت دونه الأفواه لئلا لا يتسرب شيئا منه سهوا , بانتظار جواب يذيب دهشتهم إزاء منظر كهذا .

لم يلبث السؤال أن عقد قرانه على إجابته عندما و بعد أن أقيم سور متين من المتاريس الأمنية حول المناطق الفاخرة اصدر الملك الحكيم قرار (في الحقيقة لم اعد اذكر إن كان ملكا أو إمبراطورا أو شاها أو حتى رئيسا ) .

مفاد هذا القرار يقضي بفتح باب السراديب و إخلائها من الطبقة الدنيا و العبيد لتحويلها إلى متاحف على أن يتم اختيار بضعة نماذج من  هذه الفئات و تحنيطها و استيراد محنطات و نماذج لكائنات أخرى من الممالك المجاورة  لافتتاح متحف هو الأول من نوعه في تلك البلاد .

و عندما خرج المسجونون من السراديب إلى المدينة لشد ما كانت دهشتهم عندما وجدوا سورا كبيرا يشبه الأسوار التي كانت تحاصرهم في السراديب  يحيط بالمدينة من الخارج  له باب واحد فقط لا يغلق و يفتح إلا بأمر السلطان شخصيا  (هل كان سلطانا؟؟)ولا يخرج أحد من تلك البوابة حتى و لو كانت نملة صغيرة إلا بإذن شخصي منه يصادق عليه مجلس أمن الأمة الذي انتخب خصيصا لاجل هذا الغرض...الغريب أن لا أحد يعرف من انتخب هذا المجلس ,  و رأوا سورا  آخر أمنى يحيط بمناطق سكن الأسياد يمنع عبوره لغير العاملين في الخدمة  إلا بتصريح...لكن اكثر ما أدهشهم أن الشمس كانت تبدو اكثر وضوحا من ذي قبل.