أجمل أثوابي !

 

أجمل أثوابي !

بقلم : نور الجندلي

[email protected]

 كنتُ صغيرة ، وكانَ لي ثوبٌ أبيض مزركشٌ

بالورود الملوّنة..
يحوي الحياة بطهرها وجمالها ومرحها ..
بين طيّاته براءة وعفويّة ، وفي بياضهِ حروفٌ لا تقال ! بل يحسُّ بها المرء فور رؤيته جمال الثوب .
وكنتُ سعيدة جداً به ، ولم يخطر ببالي يوماً أن أبدّله .
ولمّا كبرتُ وصرتُ صبيّة ، ثوبها أحمر ، يضجُّ حياة ..
نسيتُ ثوب الطفولة ، واندفعتُ كما الشّلاّل لأثبتَ وجودي في هذه الحياة بطيشٍ وعشوائيّة ..
ثوبي الأحمرُ كان يشعرني بأنّي فتاةٌ مهمّة ، ويسلّط أضواء الحياة عليَّ دون أدنى جهدٍ منّي ..
وكلّ أموري كانت تسير بكلِّ بساطة ! وأزداد زهواً بنفسي ، واختيالاً بثوبي ، وإنجازاتي التي لم أتعب أبداً في تحقيقها ..
حتى ارتديتُ ثوبي الأصفر .. يوم شارف الأحمرُ على إسقاطي في الهاوية
لملمتُ كبريائي ، ودفنتُ الأحمر في خزانة أيّامي الآفلة ، وكان الأصفرُ جدُّ كئيبٍ
لم يناسبني كثيراً ، لكنه أعطاني فسحة تأمّل وبعض هدوء ورويّة ..
وتوالت عليّ سنواتٌ تألقتُ فيها بالثّوبِ الأزرق ، وتحلّيت بشيء من نضجٍ ورزانة ..
وارتديتُ نظّارة أرتني الحياة بشكلِ أوضح ، فقد أرهق الأحمر بصري ، ثمّ أضعفه الأصفر ..
بثوبي الأزرق كانت روحي أكثر اتساعاً من حدود سماء ، وأعمق من قعر المحيط ، وعرفتُ الحياة بوجهها الحقيقي ، وكم كانت ترتدي لي أثواباً تتنكّر فيها ، فأجهل كنهها ، حتى تكشّفت لي على حقيقتها ، فخبرتُها ، وصارت صداقتنا محدودة ..
وصرتُ صديقة للمستقبل ، أشتاقُ حلوله ليصبح حاضراً ، أعيشُ فيه أجمل أحلامي
وكم كان يهزّني حنينٌ لثوب الطفولة الأبيض الطاهر !..
مع إشراقة شمسِ الغدِ سأكون امرأة تحملُ سبعين عاماً ، وسبعين ألف ثوب من حياة ..
امرأة واقفةٌ عند مفترقِ طرقٍ بين حياة وحيـــــــاة !
بدّلتُ أثواباً كثيرة ، منها النّقيّ والكئيب والباهتُ والقويّ والمرح والحزين ..
واقتطعتُ من كلّ ثوبٍ رقعةً ، حكتُ منها ثوبي الجديد !
أقف أمام المرآة ، أتحسّس تجاعيد وجهي بصمتٍ ، وتلمع عيناي ، أبتسمُ بعمقٍ ..
مازلتُ جميلةً جدّاً ، بل أنا الآن الأجمل بثوبي الجديد
أسمعُ بين الحين والآخر تعليقاتِ نساء الحيّ وهنّ يتهامسنّ عني ..
-
عجوزٌ غبيّة ، ماذا تظنُّ نفسها بهذا الثوب المرقّع ..
-
انظري إليها .. إنها تختالُ به كصبيّة في العشرين
وأستمرُّ في طريقي بذاتِ البسمة والمشرقة ، فثوبي الأغلى ..
اقتطعته من أيّام عمري بحلوها ومرّها ، وعرفتُ كيف أحيكه بما يناسبني ، فأي ثوبٍ هو أغلى من ثوبي ؟!
أكمامهُ بيضاء تحرّكُ فيّ العمل والعطاء ومعنى البذل لروحي النقيّة ..
ياقتهُ زرقاء ترفع هامتي فوق السحاب ، وبها أسمو
حزامهُ أحمرٌ مربوطٌ بعناية كي يعطيني بعضاً من إقدامٍ وهمّة ، كلما فترت بي الخطى ..
وعلى جوانبه رقاعُ بشكل زهورٍ ملوّنة ، وعلى جوانبه رقاعُ بشكل زهورٍ ملوّنة ، ملوّنة ، موزّعة على أرضيّته السندسيّة الخضراء الفاخرة ، لتسكنني بستاناً بديعاً من حياة لا يفهمها أحدٌ مثلي
لأنها .....
حياتي أنا !