درس في علم الاجتماع

درس في علم الاجتماع

سامي العباس

[email protected]

في السهب المتثائب حتى السماء ..السماء التي سال مكياجها بفعل الحرارة...نحو تلك التخوم المشوشة, زحفت سكة الحديد...خطان متوازيان يحبسان الرغبة في العناق, كما يحبس عاشقان ما يشبه ذلك إلى أن يأذن الرب .

عند نقطة ما.. بين الحبيبين .. وقف حمار يهوّم في الملكوت .في عينيه تلمع حمرنة بني جنسه لمعانا يشيع الأسى, يستدرجه إلى فخ القلب المنصوب لكل ما هب ودب من المشاعر .

الحمار يجترّ  بلادته على الرنين الأصم المنبعث من القضبان ...الرسائل الأولى التي يبثها القطار القادم,لايحسن الحمار قراءتها.. .فقط يرفع قدما ليريحها, ويتابع التهويم على ثلاثة.

الرسائل تّتابع اكثر وضوحا ... تشتد لهجتها مع الوقت.. .مع ذلك لاشيء ينتشل الحمار من تهويماته...فقط يحرك أذنا ويثبتها باتجاه الضوضاء القادمة.

الطيور المذعورة تعبر السماء فوقه...الأيائل على جانبي السكة ترفع قرونها مستشعرة الخطر , وتهرب بأكفالها المكحلة .....وحده الحمار غائب في ملكوته !!!

*       *          *

و...جاء القطار كالأمر الإلهي لا يلوي على شيء..وعند أذني الحمار المثبتتين على جهة الفاجعة , تزاحم البر غش والصفير وزعيق المكابح وصراخ الركاب ..رغم ذلك ظل صاحبنا واقفا بمهابة ..محدقا بعينين خاويتين في الأمتار التي تفصله عن مصيره..غافلا عما ستفعله العجلات التي لاترحم !!!