ميادة و عمي و أنا
ميادة و عمي و أنا
قصة: نزار ب. الزين
*حدثني صديقي مأمون في معرض تبريره لما حدث ، فقال :
أنه أحبها من كل قلبه ، و ربط مستقبله بحبها ،
و أنها أحبته من كل قلبها و ربطت مستقبلها بحبه ،
لم يتخيلا يوما أن أمرا مهما عظم ، قادر على أن يفرق بينهما ..
عندما كان يشتاق إليها ، كان يحوم حول منزلها إلى أن تظهر على شرفته ،
و بلغة الإشارات كانا يتواعدان للقاء في حديقة الحي المجاور ، العامة ؛ حيث التقيا أول مرة ...
ليتبادلا لواعج الهوى ... و يرسما خطوط مستقبلهما معا ....
*****
قصتهما حتى اللحظة ليس فيها جديد ...
آلاف الأحبة يتبادلون لواعج الهوى كل يوم منذ الأزل و حتى الأزل ؛
قصتهما بدأت منذ انقطاعها عن لقائه ؟!
شغل باله انقطاعها ...
أقلقه ...
أرَّق منامه و أمضَّ كيانه ...
ظنها مريضة ،
و ظن أن أحدا ربما شاهدهما في الحديقة معا فأبلغ أهلها ،
و ظن .. و ظن.. و ظن ..
كان يحوم حول منزلها كالمختل عقليا ، ثم يعود ليحوم حول منزلها من جديد ،
و عيناه شاخصتان نحو شرفتها ، و كذلك قلبه و جميع جوارحه ..
كاد يفقد سيطرته على نفسه مرارا ،
ففكر تكرارا أن يصعد إليها ،
أن يقرع بابها ..
أن يسأل عنها..
و لكن بأية صفة ؟ كان يتساءل ، بينما كان يتجرع آلام الفراق و الأفكار السوداء..
و في يوم ثالث أو رابع ، تقدمت منه طفلة ؛ سألته : " حضرتك مأمون ؟ "
و إذ تأكدت ناولته وريقة ،كتبت عليها بأناملها العاجية سطرا واحدا كاد يذهب بعقله و اتزانه :
<< لقد تمت خطبتي ، و لم أعد أتمكن من مقابلتك ، حاولت الرفض فكان نصيبي ( علقة ساخنة ) ، >>
*****
اشتعلت نار الغيرة في رأسه ،
و نار الخيبة و المرارة واليأس ،
و نار النخوة أيضا ..
شعر أنه مستعد ليقاتل الدنيا ليدفع عنها شر ( العلقات ) ما بارد منها و ما سخن ..
و لكن بأية صفة ؟!
لم يجرؤ على مفاتحة أهله حول طلب يدها ، إذ لازل طالبا في الثانوية العامة ، و بينه و بين تكوين نفسه بضع سنوات أخرى ..
و رويدا رويدا بدأ يرضخ للأمر الواقع ،
و لكن ...
ذات يوم دُعي إلى حفل زواج عمه الكبير ...
و هناك كانت المفاجأة الصاعقة ....
كانت حبيبته ( ميادة ) بشحمها و لحمها ، هي عروس عمه !!!!
كاد يصرخ : << هذه حبيبتي أنا >> ..
كاد ينهض فيختطفها من بين يديه ...
و لكنه آثر الإنسحاب كسير الخاطر ..
فالرجل عمّه الكبير الذي يحبه و يجله ..
فكف عن أفكاره الحمقاء ،
ثم تسلل من بين الجموع و عاد إلى داره خائبا و قد اسودت الدنيا في عينيه ...
لمحته و هو ينصرف
فاشتعل وجهها فجأة ، و اغرورقت عيناها .
*****
و مضت الأيام و بدأ مأمون يسلو قليلا ..
واجباته المدرسية ألهته ...
بل كان يسعى إلى واجبات إضافية طوعية ، كي يزداد غرقا في السلوان ..
لولا ان والدته – سامحها الله – أرسلته ، ليدعوها إلى عيد ميلاد شقيقته الصغرى ..
تمنع بداية ، إلا أن حججه كانت واهية ، فاصرت والدته ، و لم يهن عليهَ إغضابها ..
*****
- مأمون ؟!!
همست ، و قد عقدت الدهشة لسانها ...
و عقدت رؤيتها لسانه ،
كان وجهها يطفح نورا ...
كانت عيناها تشتعل ودا و حبا ...
فاحتار كيف يبدأ ..
<< كل ذرة في كياني تهفو لضمك بين ذراعي ، يا ميادة >> قالها في سره ..
و كأنها فهمت الرسالة بالايحاء فأجابت هامسة ، و لكن إلى ذاتها أيضا : ..
<<و أنا كذلك ، كل خلية من جسدي تهفو – اللحظة - للإتحاد بكل خلية من جسدك ، يا مأمون >> أسرت إلى ذاتها ، ثم أضافت بسرها كذلك :
<< ليتني أستطيع أن أدعوك للدخول ، و لكن جدارا صلدا يحول بيني و بينك يا مأمون .. >> ثم اضافت بنبرة مرتعشة :
- أنا آسفة .. يا مأمون .. لن أتمكن... من... دعوتك للدخول ...
يطرق رأسه ...
يمنع – بعد لأي – دمعة أرادت نقل مشاعره ..
يعجز عن الإجابة ، فيكتفي بهز رأسه علامة إداركه ما عنته ؛
ظلت تنظر إلى عينيه طويلا ..
و استمر يحدج عينيها طويلا ....
ثم نطق متلجلجا :
- ماما أرسلتني أدعوك ..
و لكنه قطع العبارة ليفاجئها بسؤاله :
- هل أنت سعيدة ؟
أطرقت برأسها ..
صمتت فترة ليست بقصيرة ..
ثم رفعت رأسها و قد ابتلت وجنتاها ، ثم أجابت :
- أنت تعلم أنني كنت مرغمة ...
<< لم أكن أكثر من سلعة حان وقت التخلص منها قبل أن تبور >> همست ذاتها لذاتها ، ثم أضافت ساخرة << لم أكن أكثر من خروف تم تسمينه و علفه و تدليله ، استعدادا لذبحه في العيد الكبير..>>
ثم أضافت بصوت هامس و لكنه مسموع :
- لا ، لست سعيدة
أنت تعلم أنه يكبرني بربع قرن على الأقل ..
بالضبط هو من جيل والدي ...
و قد ألغى لغة العواطف من قاموسه ...
و بالنسبة إليه لست أكثر من خادمة في منزله أو ممرضة تراعي أوقات أدوائه ...
للسكري و الضغط و الروماتيزم
و لكنه إنسان لطيف و كريم ، و دماثة خلقه تمنعني من التذمر أو الشكوى ..
أطرقت قليلا برأسها ثم أضافت :
- و ليس لي أي أمل بالانجاب منه ...
لم تسعفه فصاحته أن يعزيها بكلمة ،
لم يتمكن من التعبير عن حزنه الشديد إلا بعبارة : " كم أنا آسف يا ميادة "
ثم فجأة طرحت عليه السؤال التالي :
- إذا طلبت منه الطلاق ، هل أنت على استعداد للزواج مني ؟؟ ! و بالأحرى هل لا زلت على حبك مقيماً ؟
أربكته – حقيقةً – بسؤالها المفاجئ الجريء هذا ،
تلعثم كثيرا قبل أن يجيبها :
- إنه عمي يا ميادة ، عمي الذي أحب و أجل ، فلا أقوى على إيذائه و الإساءة إليه ..
فأجابته بكل جدية و واقعية :
- ماذا يضيره إذا تزوجتني بعد طلاقي منه ؟؟
ثم أضافت هامسة و قد أطرقت برأسها خجلا :
و لعلمك فأنا لا زلت عذراء !!..
*****
ثم أضاف صديقي مأمون :
أنه غادرها وهو مثقل بهم جديد ..
و اضطراب جديد ..
و حيرة جديدة ..
إلا أنه لم يحاول مقابلتها ثانية ..
*****
و بعد بضعة شهور أخرى ، علم أن الطلاق قد تم ..
و أن عمه كان متفهما و تعامل مع الموضوع في غاية الرقي ..
مما شجع صديقي مأمون على مصارحته !
فكان وسيطه لتدبير مصدر رزق جيد يسمح له بزواجه و استمرار دراسته ..
ثم كان بنفسه وسيطه لدى والديه و اقناعهما بزواجه من ميادة..
ثم نأى عنهما ...
و اختتم صديقي مأمون قائلا :
تلك كانت قصتي
أنا و عمي و ميّادة
و كما ترى لم أسرقها منه ...
و لم يكن في الأمر خيانة كما يشاع .....
*
مغترب في الولايات المتحدة من أصل سوريالموقع : www.FreeArabi.com
البريد : [email protected]