صنـاعـة وطـنيـة

صنـاعـة وطـنيـة

لبنى ياسين

[email protected]

 دلفتْ بأناقة غير متكلفة و ثقة ترتديها باعتزاز وحضور قوي جذاب طغى على كل من في الصالة الأنيقة الفاخرة التي أعدت لاستقبال ما يربو عن عشرين سيدة .

أنتِ ... لا تعرفين ما الذي يزعجك منها , قطعاً ... ليست ثقافتها العالية ... فلست من محبي الثقافة ... و لا هو حضورها الرقيق الأخاذ الذي لا تعترفين به أصلاً ... كثيرا ما تبجحت في غيابها أن كل ما ترتديه  من قمة رأسها حتى أخمص قدميها , مرورا بخاتم الزواج الذهتخلعها ... لا يوازي سعر حذائك الذي تقتنيه دوما من ماركة فرنسية معروفة.

ما الذي يجعلك تطلقين سهامك بشراسة صوبها  و تتسكعين بأنظارك خلسة على مساحات جسدها  جزءا ً جزءاً ... لا يفلت حتى ظفرها من استراحة محمومة لعينيك فوق سطحه.

ما الذي يجعلك  ترتعدين بمجرد دخولها من الباب  كل مرة... هي لم تعرك اهتماما مرة واحدة , لم تلق مرة نظرة متفحصة على مجوهراتك الباهظة , و لا ثيابك الفرنسية الصنع , لم تلفتها مرة حقيبتك الجلدية التي تضعينها كل مرة في مكان بارز يواجه الأنظار جيدا في محاولة للتباهي  المبطن بعدم الانتباه لم تهتم يوما بأي من تفاصيلك ... فلماذا تعيرينها كل هذا الانتباه؟؟؟؟

ألقت تحية مرحة جذابة على كل الحاضرات بما فيهن أنت دون أن تخصك  حتى بنظرة , و على ثغرها ابتسامة الشمس عندما تتمطى  في جبين السماء صباحا ... شئ ما فيها يجبر الجميع على احترامها بمن فيهم أنت , لكن احترامك أنت تحديدا  مغلف بالحسد... محشو بالغيرة .

يلفت انتباهك قميص ازرق ترتديه , تعلمين قطعا أنه ليس أمريكي القماش و لا ألماني الصنع , لم تنسج خيوطه في لندن و لا صممه مصمم فرنسي معروف , تجدين في هذا القميص ضالتك ... ستنشبين أظافر السخرية في عينيها ... ستنالين منها قطعا هذه المرة .

و بلؤم مغلف بابتسامة هشة أجدت رسمها و ارتداءها  بتصنع واضح على محياك ... تسألينها...

-  سارة ... قميصك في غاية الجمال ... من أين اشتريته؟؟

ترد هي بابتسامة ودودة صادقة :

-  من شارع الحمراء ... من محل اسمه ألوان اعتدت أن اشتري ثيابي منه, فأسعاره معقولة ... و بضاعته مرتبة , و أنا...

تقاطعينها  بدهشة مصطنعة و قد سرك إشارتها إلى أسعاره  غير الباهظة :

-   صناعة وطنية؟؟؟

-   أجل ...

-  ... أنا لا ارتدي صناعة وطنية أبدا ... أفضل أن أسير عارية على أن ارتديها ... اشعر أنها تحيل من ترتديها إلى مهرج مضحك  أو كائن فضائي بشع .

تبتسمين في داخلك مزهوة بانتصارك   موقنة أن سهمك أصاب منها مقتلا , خاصة و أن العيون كلها اتجهت صوبها  و قد حلت لعنة الصمت على الجميع من وقع الدهشة التي خلفها كلامك الجارح...

ترد هي  بسخرية  يكسوها أدب جم  ...

-   عفوا سيدتي أعتقد انك أنت شخصيا صناعة وطنية ... و في حال أن ما تفوهت به توا  هو ما  تعتقدينه صحيحا  و لو أنني لا أوافقك الرأي  , فأنت أمام معضلة حقيقية , إذ أن الغلاف الفرنسي  الأنيق لن يغير من قيمة المحتوى السخيف الفارغ .... أليس كذلك؟؟؟

تتحولين في هذه اللحظة إلى برميل سخافات ... تدفنين رأسك في حقيبتك محاولة البحث عن شئ ما .. .  ربما كبرياء أهدرته تلك بمنتهى الأدب ... بينما تتعالى أصوات الضحك في الصالة  و تصبح قهقهة ... و تتعالى اكثر فتطغى على صوت تنفسك الذي علا و علا و علا  حتى اصبح يملأ الفضاء ضجيجا... تستأذنين متذرعة بصداع  فتك برأسك , هو في الحقيقة تصدع حاد أصاب كيانك كله و نال من كبريائك.