ريــــــم

أسماء محمد حسن هيتو

ريــــــم

أسماء محمد حسن هيتو

[email protected]

على ذلك الكرسي المطل على شاطيء البحر
رأيته ..
كان ساهما ولمحة حزن وألم تكتسي وجهه
عينه غارقة بدمع متحجر فيها
من يراه .. يرى هموم العالم أجمع في نظرته
شيء ما جذبني للحديث معه
وشيء آخر .. جذبه ليشرع أبواب قلبه فيفرغ ما فيها


كانت أروعَ من عرفتُ في حياتي من النساء ..
على كثرتهن .. إلا أنها ملكت قلبي .. وأسرتني
سنوات أربع مرت .. كابدت ما كابدت من المشاق حتى وصلت لها
ما كانت الصعوبات تزيدني إليها إلا شوقا
وما مر الوقت يوما إلا وازداد تعلقي بها
كانت لي المرفأ الذي ألجأ إليه
والحضن الدافيء الذي يحتويني
مَن مثلك في النساء يا ريم ؟
فطرة تكسو ملامحها البريئة
وصفاء يملأ قلبها الصغير
ودفء في ابتسامتها العذبة

آآآآه يا صاحبي
ليتني أراها الآن .. فأقبل يديها
أجثو على قدميها
أملء حضنها بدموعي
ومن أين لي هذا بعد فوات الأوان ؟

آآآآآه يا صاحبي
ليتني حافظت على جوهرتي
ليتني ما قسوت عليها
ليتني مت قبل أن أخونها
ليتني وليتني .. وهل تنفع الليت شيئا بعد فوات الأوان ؟

آآآآآآآآه يا صاحبي
وهل تفيد الآه عندما تنسكب عبرات بعد فوات الأوان ؟

أحببتها .. وتزوجتها بعد طول عناء
وما أن وصلت إلى بيتي حتى ارتاح قلبي
امرأة مثلها يتمناها كل رجل
وكنت حريصا على تملك ما لا يملكه الآخرون ..

كانت ريم رمزا للمرأة المطلوبة بكل ما فيها
عفيفة نقية تقية
ودود طيبة القلب هادئة أصيلة
تغرق بأنوثتها
لم أدخل عليها مرة إلا وبسمتها تسبقها إلي
رقتها وحنانها
حتى عند مرضها تبتسم في وجهي
تحبني كما لو أن حب العالم كله منسكب في قلبها

لم أرعها حق الرعاية
أعترف بذلك .. فهل سيجدي الاعتراف شيئا بعد فوات الأوان ؟

كنت رجلا متباهيا بفحولتي
شاعرا تتهافت الفتيات على قصائدي
فأتغزل بهذه وأتغزل بتلك
وأنتشي لهذا الحب الذي أراه منهن
كم وكم من الأيام تركت فيها حبيبتي ركضا ورائهن
لم أكن أبغي أكثر من نشوة المحبة التي تلفني منهن

أن تكون محط أنظار النساء بالذات فهذا شعور رائع
كان يتملكني .. وما طردته عني
بل تماديت فيه .. وتطورت علاقتي مع الكثيرات

كنت أعرف أن هناك قلبا يعشقني بصدق الدنيا
أملكه .. وهذا ما كان يهمني ويريحني
ريم .. كانت قلبي الحقيقي النابض
وما هؤلاء النسوة في حياتي إلا عبور
يثرن شاعريتي للإبداع والتسلية
ولا أنكر تلك المتعة التي أعيشها في الحديث معهن

ما كنت لأثق بهن .. ولكني أثق بريم
وما كنت أشعر بحب حقيقي نحوهن .. ولكني أعشق ريم
وما تركتهن وتركت غوايتهن .. ولكني تركت ريم

آآآآآآآآآآآآآآه يا صاحبي
لا أنساها عندما أعود إليها .. وبأي وقت
كيف كانت تستقبلني بأبهى حللها
ملاك في هيئة بشر
تضمني .. فأضمها وأهوي عليها بقبلاتي
تثير جنوني وحبي وعشقي

تسألني بصوتها العذب : تأخرت علي يا حبي
فأجيبها بقبلاتي .. فتصمت
كم وكم كذبت عليها
أتظن أنها ما كانت تشعر بكذباتي ؟

بلى .. كانت تشعر بها .. وكانت تعرف كل شيء عني
ولكنها تصمت حبا
كم سمعتها تقوم الليل تدعو وتبكي
كانت تدعو لي .. نعم .. كنت أشعر أيضا بنشوة حبها فتعميني عن
التفكير في أي شيء آخر ..
لم أرتدع .. ولم أعرف حقها ومكانتها الحقيقية ..

هل نحن البشر هكذا دائما ؟
لا نعرف قيمة الشيء إلا إذا فقدناه ؟

آآآآآآآآآه يا صاحبي
كيف يمكنني أن أكفر عن جريمتي بحقها ؟

كنت أقضي الساعات الطوال على الهاتف
أتغزل بصوت تلك المعجبة
وأنشد القصائد للأخرى
كم وكم سهرت هناك عند أصحابي أو في مكتبي الخاص
خلف تلك الشاشة .. لأتحدث إليهن
أتظن أن ريم ما كانت تعطيني ما يعطينه لي ؟

لا ..

ريم لا تقاس بهن
كانت تسقيني من الحب والعاطفة ما يكفيني للإغداق على كل العالم من حولي ..
وكم سهرت معها أعيد عليها تلك القصائد التي كتبتها للمعجبات بي
كانت تشعر أني لا أقولها ارتجالا لها
أقرأ هذا في عينيها
كانت ذكية .. ولكنها لا تحب أن تجرحني
أو أن تكدر علي صفو لذتي معها

كانت تبادلني الهيام والعشق
فأجمعه منها
لأسكبه قصائد في آذان الأخريات
ثم أعود إليها فأعيد عليها نغمات الحب

كنت أعرف أنها الملاذ الأول والأخير
ولا أدري مالذي كنت أنتظره لأكون لها بكلي
لا أدري مالذي كنت أنتظره لأسقي وردتي ماء زلالا
تحس به وتعيشه

كانت تلمح إلي أنها لا تحتمل الخيانة
وكنت أعرف أن لها إحساسا قلما يخطيء
ومع ذلك لم أتب عن الكذب عليها

تسألني هل كانت تتضايق مني ؟
أظنها كانت تتضايق .. وتبكي وحدها .. وتدعو لي
ولكنها لم تشعرني بهذا يوما
لم تتغير علي منذ أن عرفتها إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم

في ذلك اليوم كذبت عليها برحلة صيد مع الأصدقاء
وهرعت إلى مكتبي .. لأقضي سهرتي معهن
التقيت الكثيرات
لم يمانعن من فعل أي شيء معهن
كنت أتعلم بعض الحركات الغرامية الجديدة منهن
فأعود لأطبقها على حبيبتي ريم
أشعر أحيانا باستغرابها .. من أين لك هذا اليوم ؟
ولكنها لا تنطق خوفا على مشاعري
أما أنا فكنت أسبقها لأحكي لها قصة من نسج شاعريتي
عن معرفتي بهذه الحركات
لم تصدقني يوما بقرارة نفسها بالتأكيد
ولكن حبها كان أكبر من كل شيء

في ذلك اليوم عدت وكلي شوق لرؤيتها
بقي على الفجر ساعة واحدة .. حلمت بقضائها معها
ودخلت الدار خلسة
أغلقت الباب من خلفي ونظرت إلى السرير فلم أجدها
لم أستغرب .. فهي تحب أن تقوم الليل لتصلي وتدعو
حولت ناظري إلى مكان صلاتها
فوجدتها ممددة هناك
لم أشعر بقلبي وخفقاته
كاد أن يغمى علي وأنا أنظر إلى وجهها الذي امتلأ بالدموع
أمسكت بكفيها .. كانت باردة كالثلج
جسست نبضها .. فوجدته خافتا
كاد قلبي أن يقف هو الآخر هلعا عليها
هززتها بعنف .. ريم حبيبتي .. هل تسمعيني ؟
لم تتحرك بين يدي
ضممتها إلى صدري .. ياريم أنا أحبك
ومن غير شعور مني تحدرت دموعي ونزلت على خديها
وأنا أقول لها : لا تتركيني يا ريم
أحبك ياريم
فتحت عينيها ببطء شديد
هويت عليها أقبلها
فقرأت في عينيها عتاب العمر كله
قرأت كتمانا تجلى الآن
وصبرا قد نفد
سامحيني ياريم
تأخرت عليك ؟

تصور !! حتى في هذا الحال كنت سأكذب عليها أيضا لأبرر تأخري إلى هذا الوقت
كم اتصلت علي .. تسألني متى ستأتي يا حبي ؟
فأرد عليها : ربع ساعة .. وتليها أرباع أخرى وأنا في عالمي اللاهي
وانعقد لساني فلم أستطع الكلام
وأنا أنظر إلى عينيها التي تحمل ألف سؤال وألف عتاب

لم أشأ ترك الوقت يمضي هكذا
حملتها بين يدي ..
ألقيت عليها حجابها وعباءتها
وحملتها إلى أقرب مشفى
طوال الطريق كان صوت من أعماقي يهزني
هذه هي النهاية يا سامي
أريت كيف أمسيت اليوم ؟
أما كان من الأفضل لك قضاء هذا الوقت مع ريم
معها ستنال ثوابا من الله
ولكنك آثرت الحرام
ستنال عليه عقابا .. وحرمانا من محبوبتك التي كانت بانتظارك

كدت أصرخ من ألم النفس
حتى وصلت أخيرا إلى المشفى
حملوها بسرعة لعمل تحاليل وفحوصات
وجاء الطبيب
أنت سامي زوجها ؟
فأجبته : نعم
قال : تعال ريم تريدك .. تهذي باسمك
سبقني قلبي إليها طائرا

صدقيني يا ريم
سأكون لك كما تحبين وكما تتمنين من اليوم فصاعدا
نظرت إلي بعين نصف مغمضة
فات الأوان يا سامي
واعلم أني أحببتك حبا لن تجد له مثيلا في حياتك
ولكنك قتلتني بهذا الحب

سامي .. انتبه لأبنائي
ذكرهم أن أمهم كانت تحبك وتعشقك حد الجنون
ذكرهم أن لا يضيعوا النعمة عندما تكون بين أيديهم
وأن يحفظوها ويرعوها حق رعايتها
ذكرهم .. أن كل شيء مكتوب
والحساب يوم الوعيد عن كل ذرة
كبيرة كانت أو صغيرة

ذكرهم بأني مت من حبك
بأن قلبي قد تناثر أجزاء بعد أن ملأته سهام كان يخفيها عن العيون في أعماقه
قل لهم .. بأني سامحتك عن كل شيء فعلته معي ماكان يعجبني
قل لهم بأني سأذكر حبك لي
وكل محاسنك
سأظل في قبري أذكر اللحظات الجميلة التي جمعتنا معا
وأسأل الله أن يجمعنا في دار الخلد

سامي
أحبك فلا تنساني


آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا صاحبي
أتظن أني نسيت حرفا مما قالته ؟
لا .. ما نسيت حرفا
على أنه قد مضى على فراقها عشرة أعوام
غزا الشيب رأسي
من ذلك اليوم .. هجرت الشعر
وهجرت الخليلات
ما عادت امرأة تستهويني
وما عاد للغزل طعم في نفسي
من ذلك اليوم .. صار بيتي هو ملاذي
أعانق مخدتها
أشم ملابسها وأذرف ماشاء الله لي أن أذرف من دموع على سجادة صلاتها
صرت أقوم الليل بالوقت الذي كانت تقوم فيه
ما زالت غرفتي كما تركتها يوم غيابها
وخزانتها بما فيها كما هي
أفتحها .. وأتخيلها تميس أمامي بفساتينها الجميلة
عطرها مايزال في مكانه
لا أسكبه .. وإنما أفتحه لأشمه
فأعانق طيفها فيه

أتعلم يا صديقي
بت أشتاق إلى الموت علني أراها هنا
أتراها تسامحني حقا على ما فعلته معها ؟
ولو سامحتني .. فهل سيسامحني الله على ما اقترفته من ذنوب
بعد أن من علي بامرأة عشت أحلم بلقائها
فلما لقيتها زهدت فيها !!!

آآآآآآآآآآآآآآآآآه يا صاحبي
أشعر وكأن منيتي قد حانت
فإن مت فادفني إلى جنبها

يا صاحبي
يا صاحبي

كنت كمن يفيق على حلم غريب
أو كابوس مريع
عندما سقط بين يدي
تخنقه دموعه
تحشرجت الشهادة في فمه
وسقط في حضني
بآخر نفس

21 / 4 / 2005 م

12 / 3 / 1426 هـ