قلامة ظفر
محمد الخليلي
دخل أبوصايل المسجد برجله اليمنى وهو يردد اللهم افتح لي أبواب رحمتك . كان المسجد يعج بالمصلين الذين أتوا من كل حدب وصوب لتأدية صلاة الجماعة . أخذ مكانه في الصف الأول بعد أن تخطى عشرات الرقاب وهو يصيح بأعلى صوته السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متناسيا أن المئات يؤدون صلاة السنة . ولأن الصف الأول كان متراصا فقد بقي لإقامة الصلاة أقل من دقيقتين كان لابد له من أن يوجد له فسحة عنوة مابين مصليين .
جهر بالتكبيرة بأعلى صوته وكان صوته مسموعا في دعاء الثناء كما الفاتحة وسورتي الفلق والناس في ركعتي السنة، حتى إن من بجانبه من المصلين الذين كانوا يقرؤون القرآن طووا مصاحفهم وتوقفوا عن القراءة إذ لم يعودوا يعرفون مايقرؤون .
ولأن الصلاة قد أقيمت قبل انتهاء أبي صايل من أداء صلاة السنة شرع يقرأ الصلوات الابراهيمية بصوت عال ليشعر الإمام أنه مازال يصلي ، ثم قام لتوه وقال لمن بجانبه :
الله يصلح حال الإمام يعني لو انتظر لحظات حتى أتم صلاة السنة .
فقال له جاره : ياأخي دائما يأكلون علينا الدقيقة الأخيرة ، فيبدأون بإقامة الصلاة قبل أن ينتهي عد الثواني تماما .
قال أبو صايل : لم نستفد شيئا من تقنية لوحة إقامة الصلاة الالكترونية بل زادتنا خلافا ، فهذا يريد أن تُقام الصلان قبل وقف العد ،وذاك يريد بعده . ياالله كم هي مزعجة
قال جاره أبو طايل : بل سمعت أن بعض المساجد يبدأون بإقامة الصلاة قبل دقيقتن .
أبو صايل : نعم لأن كثيرا من التجار الذين يصلون معنا يريدون أن يصلوا بسرعة وودوا لو أن الرباعية من الظهر والعصر قُضيت بدقيقتين كي لاتفوتهم صفقة .
أبو طايل : يارجل خليك بالصلاة الآن ، وكان عليك أن تقطع صلاة السنة إذا أقيمت المكتوبة .
أبو صايل : يعني من ساعة وأنت تناقش وتريد أن تعلمني آداب الصلاة ياجاهل ؟! ثم إن أبا حنيفة المروان أجاز ذلك يافهمان !
أبو طايل : استهدِ بالله يارجل ، واسمه أبو حنيفة النعمان .
أبو صايل : إذا كانت الهداية على أيدي الجهلة أمثالك فلا أريدها البتة ، سامع ؟ وما الفرق بين النعمان والمروان ؟ أليسوا كلهم من الخلفاء الراشدين ؟ أمي مثلا لاتفرق بين اسمي ولديَّ طحيمر ومخيمر .
أبو طايل : سامحك الله وواددتك وولديك .
أبو صايل : الله لايسامح أحدا من حمولتك ولا فخذا من أفخاذها .
الإمام : سووا صفوفكم .
أبو صايل : استوينا ياشيخ ، بس خلصلنا من هذه الصلاة وخلينا نروِّح ، والله لو كانت صلاة جمعة لانتهت .
الإمام : لقد انتظرناك قرابة دقيقتين وأنت تتكلم مع جارك ياعم أبا صايل ، والأفضل لكما أن تتناقشا خارج المسجد مرة أخرى .
أبو صايل وقد انتفخت أوداجه : اسمع ياولد مين أنت حتى تعلمني الأصول ، ارجع علىبلدك التي جئت منها ونحن نعلم كيف نصلي وبعدين ..
الإمام : الله أكبر .
أبو صايل : لو عندك أدب لاتنظرتني حتى أكمل كلامي لكنك جبان . الله أكبر .
وما أن انتهى أبو صايل من دعاء الاستفتاح الذي قرأه بصوت فيه من النبرة الحادة الشيء الواضح كي يعلم جميع المصلين أنه على حق وأن الإمام مخطىء حتى رن أول جهاز خلوي ، فحوقل أبو صايل ثم أتم قراءة الفاتحة بنبرة مستهجنة حتى يُعلم صاحب الجهاز أنه منزعج أشد الانزعاج .
وما أن بدأ أبو صايل بقراءة سورة الناس حتى رن جهاز آخر من الصف الثاني ، فتساءل في نفسه هل هو من الصف الأول أم من الثاني ؟ لابد أن أحدد حتى أعلم لمن أوجه الشتائم بعد أن تنتهي الصلاة .
ياالله كم صلاة هذا الإمام المصري ثقيلة وطويلة ! أتراه يقرأ البقرة أم الفيل ؟ لعلها سورة الفيل ؛ لأن الفيل أكبر من البقرة . كم سأنتظر حتى ينتهي هذا الإمام حتى أكيل سيل السباب لأصحاب الخلويات التي ينسون إقفالها قبل دخولهم المسجد . لا ، أظن بل أنا متيقن أنهم يتعمدون إبقاءه مفتوحا حتى لاتفوتهم صفقة . صحيح كلام الشيخ المصري عندما كان يتكلم في درس البارحة عن جشع التجار . نعم إنهم جشعون أيما جشع سيما وأن شركة زين قد طرحت مؤخرا خدمة استقبال المكالمة في حال كون الجهاز مقفلا . ولكنهم لايريدون أن يدفعوا اشتراك هذه الخدمة . أيضا فإن شركة زين جشعة فلماذا لاتجعل هذه الخدمة مجانية خاصة للذين يؤدون صلاة الجماعة ؟ على أية حال فأنا لن أوبخ صاحب الرنة الأولى لأنها رنة نانسي عجرم ، أما صاحب الرنة الثانة فهي لأغنية قديمة جدا لأم كلثوم . صحيح أن صوت كوكب الشرق لم يأت قبله ولن يأتي بعده ، إلا أن عجرم هذه أحلى ويحبها ابني طحيمر كثيرا وقبل يومين سمعته يتناقش مع أخيه مخيمر عن أحقية المطربات بلقب سوبر ستار العرب ، نانسي أم ديانا ؟ أنا أقول كل اللواتي يلبسن الجينز هن سوبرات ، يحرق حريشك ياأم صايل ، لو أنك لبست الجينز ماكان فكرنا في الصلاة في هل السوبرات .
وقبل أن يكمل أبو صايل قراءة سورة الفلق في الركعة الثانية رن هاتفه الخلوي فقال لتوه الله يلعن الشيطان ، ثم استخرجه من جيبه فنظر إلى شاشته فلم ير شيئا فأخرج نظارته من الجيب الآخر ليرى من الذي اتصل به وقبل أن يرى تذكر أنه قال لأم صايل اتصلي بي وأنا في الصلاة كي أتذكر إحضار الخضروات . ياترى ماذا قالت لي أم صايل أن أحضر معي : بندورة وخيار وبصل و... و.. تذكرت فلفل أصفر . أي لازم أصفر والكيلو بثلاثة دنانير خليه أخضر بنصف دينار الكيلو ، يعني لازم تقلدي الجارات في هذه الأكلات الصينية ، ياوردي ،مافي أطيب من المنسف ، قال صيني قال . معلوم ، الصين غزت أمريكا ، مابدها تغزونا ؟!
تذكر أبو صايل فجأة أنه قد نكص في القراءة ولا بد أن يلام الآن لأنه يقرأ بصوت عال يسمعه من في الصف الأخير .
سأقول للشيخ هناك آراء أخرى مرجوحة تجيز التنكيس ، ولكنه أي الشيخ المصري يقول التنكيص والآخر تنكيس ، أظنهما شيئا واحدا ، ولن يبدو أن اللهجة المصرية تختلف عن الشامية . ثم ما شأن المرجوحة ياشيخ عماد التي أجزت التنكيس فيها أو التنكيص كما يقول إمامنا ، أتراها لها علاقة بالمرجوحة التي تلعب عليها حفيدتي زينة ؟ ماعلينا .
مرت الصلاة على نفس أبي صايل وكأنها جبال تهامة من ثقلها على نفسه ، وفي السجود الأخير حيث يطيل الإمام عادة شعر أبو صايل أن شيئا ما تحت جبهته ، أمسكه وهو ساجد بيده ، تحسسه ..؟؟!!
لاأستطيع أن أصدق !
رفع رأسه والإمام ساجد وفرك عينيه ثم هوى للسجود ثانية .
أيعقل أن يفعلها مصل في بيت من بيوت الله ؟
جلس الإمام القعود الأخير ولكن أبا صايل لم ينتبه لقعوده فظل ساجدا يفكر في هذا الشيء الذي علق على جبينه .
نظر من طرف خفي فإذا جميع المصلين قعود ، فهب قاعدا وبدأ يقرأ الصلوات الابراهيمية قبل التشهد ، وبدأ يفرك مارآه على السجاد بيديه الاثنتين وهو يسترجع ويحوقل قائلا انظر ماذا فعلوا بمسجدك يارسول الله !!
سلَّم أبو صايل قبل الإمام وهب خطيبا : أيها الناس ، اقتربت الساعة ، عم البلاء وفشى الوباء واستبد البلاء وتعاظمت الأخطاء أيها الأبناء ، أيعقل أن يفعل هذا في مسجد من مساجد الله ، تظنون اني أريد أن اتكلم عن الخلويات ، لا فهي موضة قديمة ، ولقد مللت من الشتم لمن يرن هاتفه في الصلاة .
والله إنها لكبيرة بل هي أكبر الكبائر ، أليس ذلك يأبا خرفان ؟
إي والله إنها شينة ، ولكن ماهي ..؟
قاطعه أبو صايل : إنها بيدي وما أدراكم مابيدي .
أبو النديم : هو في جهنم إن شاء الله ، ولكن بالله عليك أخبرنا مابيدك ؟أهي نجاسة أصابت سجاد المسجد ؟
أبو صايل : ياليتها .
أبو سامر : ناشدتك الرحم أن تقول ماهي ولا تلعب بأعصابنا ؟
أبو شادي : هو في الدرك السفل من النار ياعمو أبو صايل إن شاء الله مع أبي لهب وأبي جهل ولكن أخبرنا من هو ؟ وما هي ؟
أبو صايل : إيه ، لو عرفته لشربت من دمه ، بل تالله لأشربن دمه كله فدمه حلال وعرضه .. لا ليس حلالا فما شأن عرضه بما بين يدي ّ ؟
أبو مازن : أنا متأكد ألا شيء في يده بل هو يريد إثارة فتنة .
أبو صايل : هيه ، اخرس شلَّ لسانك .
الإمام : إذا ً قل لنا ياعم أبا صايل مابيدك درءً للفتنة بالله عليك .
فتح أبو صايل يده وحملق فيها فلم يجد شيئا . جف حلقه وحاول أن يبتلع ريقه فما استطاع ، احمر وجهه الأسمر فأصبح أسفع مائلا للصفرة ، أصبح يؤشر بيده ثم بكلتا يديه فضج المصلون بالضحك ، فلوح لهم أنه سينتقم منهم إن لم يوقفوا هذه المهزلة .
ترجل الإمام وأتى حيث كان أبو صايل يتصبب عرقا وترتعد فرائصه ولقد دارت به الدنيا عدة دورات ، فهو لم يقف مثل هذا الموقف المخزي في حياته ، وبدأ يلوح بيديه يريد الانتقام من الضحكات التي بدأت تتعالى من جنبات المسجد ولكنه لم يستطهع أن ينبس ببنت شفة سوى الزبد التمراكم حول شاربيه المتهدلين ولحيته التي رسمها رسما بشفرة ناسيت ثم ، خر على الأرض .
سارع بعض المصلين لإنقاذه بينما كان الإمام المصري يبحث عن أداة الجريمة ، وبينا هو كذلك إذ به يقول وجدتها وجدتها ........
إنها قلامة ظفر .