أنا رأيت الجنّيّ الأبـيض!!؟

قصـة حقيقيـة :

أنا رأيت الجنّيّ الأبيض!!؟

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

" على الهاتف دار الحديث بيني وبين الإعلامي اللامع الأستاذ راضي سعيد مدير مكتب قناة "اقرأ" الفضائية بالقاهرة، ومقدم برنامج "فتاوى على الهواء". وكان موضوع حديثنا الحلقات الهادفة الناجحة التي تقدمها "بسمة وهبة" عن "الجن والسحر والشعوذة" في برنامجها الأسبوعي المتفوق "قبل أن تحاسبوا"، وقد شهدت ثلاث حلقات استضيف فيها عدد من علماء الدين والمفكرين والمشعوذين وضحاياهم، مما أضفى على هذه الحلقات الواقعية والمصداقية، زيادة على براعة العرض والمناقشة الجادة البعيدة عن الشطط والتهريج.

سألني الأستاذ راضي: ولماذا لا تدلي بدلوك في هذا الموضوع؟

- سيكون ذلك قريبا إن شاء الله  .

وهاأنذا أفي بالوعد

 وفي إيجاز شديد أقول: إن هناك حقيقتين يرتبطان بمنطق الإيمان، وعلينا –نحن المسلمين- أن نؤمن بهما:

الحقيقة الأولى: أن هناك عالما آخر غير مرئي هو عالم الجن، ويقطع بذلك القرآن الكريم في عدد من الآيات منها على سبيل المثال:

-       ( فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلاَ جَانٌّ) [الرحمن: آية39].

-       (وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) [سبأ: آية 12].

-       (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: آية 56].

-       (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) [الصافات: آية 158].

كما أن هناك أحاديث نبوية متعددة تقطع بوجود الجن ولا يتسع المقام للاستشهاد بها.

أما الحقيقة الثانية فهي أن هناك ركامًا من الخرافات والأساطير نسجت –على مدار التاريخ- حول الجن، وهذا لا ينفي وجودها، بل يؤكده. "

نصيحة.. وتحذير

وكنت من صغرى أسمع أن فلانا "ملبوس"، وأن فلانة عليها "أسياد"، وأسمع حكايات عن "شمهورش" ملك الجن الأحمر، كما كنت أسمع شهادات الناس بمقدرة الجن الأزرق ، فيقال "فلان خبـّا فلوسه في مكان خفي لا يستطيع مخلوق أن يكشفه حتى الجن الأزرق"، ولم أسمع أبدًا من يقول: الجن البني، أو الأخضر، أو الأصفر.. ولم أدْر حتى الآن السرّ في اختصاص الجن بهذين اللونين: الأحمر والأزرق!!!

وفي "المنزلة"- إحدى مدن محافظة الدقهلية بمصر, وهي مسقط رأسي - "كنا أسرة كبيرة العدد تعيش في بيت كبير. وكان والدي –من صغرى- يحذرني دائمًا:

-       احذر يا ولدي.. لا تمش أمام منزل "الحاج حمزة" بعد منتصف الليل.

-       ليه.. يا والدي؟

-       اسمع كلامي.. وخلاص.

وسمعت بعد ذلك أن هذا البيت "مسكون" أي فيه عفاريت لا تظهر إلا بعد منتصف الليل، وعجبت كيف يقيم فيه الحاج حمزة بمفرده.. فهو عزب.. لا زوجة، ولا أولاد.. وهو "صائغ" يبيع المشغولات الذهبية في دكان صغير له وسط البلد.

وكان من عادته أن يجمع بضاعته من المشغولات الذهبية ويضعها في حقيبة، ويعود بها إلى بيته بعد كل غروب، ليحفظها فيه خوفا من اللصوص.

ولم تكن أبواب الدكاكين في قوة أبواب اليوم، ثم يحمل حقيبته كل صباح، ويذهب إلى دكانه ليعرضها من جديد.

وبجانب بيت الحاج حمزة: ضريح أو مقام لولي من أولياء الله يردد الناس اسمه دائمًا " سيدي سلامة" ويتبركون به، وباسمه سمّي الشارع، وحتى أصل إلى بيتنا كان عليّ أن أسلك هذا الشارع حيث يقع بيننا على مسافة مائة مترتقريبا, أو شارعا أبعد هو "شارع القفاصين"، وكنت أتفادى الشارع الأول ليلا بسبب بيت الحاج حمزة استجابة لتحذير الوالد.

ورأيت الجنّيّ الأبيض!!

وفي مساء "خميس" في شهر أغسطس.. في ليلة قمراء في منتصف شهر عربي، طال بنا المسار أنا وبعض زملائي في المدرسة الثانوية- في منطقة انحسر ماء بحيرة المنزلة عنها، وخلّـف وراءه جزرًا من الماء منفصلة، وكان البدر ينعكس على مرآة هذه الرقع المائية، فكأنه عشرات من البدور لا بدر واحد.

وسرقنا الوقت.. ياه... الساعة الآن الواحدة من صباح الجمعة.. وتفرقنا.. واتجه كل منا إلى منزله.. كانت نزهة طيبة.. وشغلني استعادة صورة البدر المنعكسة على الرقع المائية عن نفسي.. لأجدني أسلك "الطريق المحظور" وأجدني بمحازاة ضريح  "سيدي سلامة" وبجواره منزل الحاج حمزة لا يبعد عني أكثر من خمسة أمتار.. توقفت.. أخذتني رعشة خفيفة، وأنا أستعيد نصيحة والدي:

-       احذر يا ولدي.. لا تمش أمام منزل الحاج حمزة بعد منتصف الليل.

ماذا أفعل؟.. هل أعود.. وأقطع مسافة طويلة , لأسلك إلى بيتنا.. الشارع الآمن.. شارع القفاصين؟

دار هذا الخاطر، أو هذا التساؤل في نفسي.. وعيناي على باب المنزل الرهيب.. منزل الحاج حمزة.

وفجأة طار هذا الخاطر، وتسمرت قدماي في الأرض، وشعرت أن جلدة رأسي قد شدت بملاقط الحديد، حتى التصقت بعنقي، وأن كل شعرة في رأسي تحولت إلى شوكة حارقة.. لقد رأيت باب بيت الحاج حمزة يفتح ببطء شديد، وعلى ضوء البدر رأيت مخلوقا غريبا جدًا يخرج منه.. لم أر مثله من قبل.. المخلق الغريب طوله قرابة مترين ونصف، وعرضه قرابة مترين، ولونه أبيض ما عدا جنبيه، فلونهما داكن، ويخرج من كل جانب ذراع طويلة، وضعهما المخلوق خلف ظهره، والأغرب من ذلك أن له أربع أرجل.. رجلين في كل جنب، وكل رجل تمشي أمام الأخرى، والأرجل الأربع تقطع الطريق المؤدي إلى بيتنا في بطء وانتظام، ولم أر له رأسًا أو وجهًا. شعرت برأسي أثقل من أن يحمله جسمي، وأن قدميّ قد تخلتا عني.. إنه جني.. جني أبيض.. وأعتقد أن أحدًا لم يرها قبلي.. وحاولت أن أشعر نفسي بشيء من الطمأنينة والجني يبتعد عني في بطء شديد.. وبصعوبة بدأت أحرك لساني الذي جف عليه حلقي.. وأنادي بصوت  خافت لا يسمعه غيري:

- يا شاويش.. يا شاويش 000

وبدأت أرفع صوتي شيئا فشيئا , وأنا أرى الجني يبتعد عني.. فلما رأيته يبدأ اختفاءه مائلا إلى شارع جانبي في اليسار.. استجمعت كل قواي وصرخت بأعلى صوتي:

- يا شاويش… يا شاويش.. يا شاويش. ..

وفجأة سمعت فرقعة لم أسمع مثلها من قبل، فأخذتني نوبة من الرعب الشديد، وانطلقت أعدو في الاتجاه العكسي.. قاصدًا شارع القفاصين لأصل إلى بيتنا.

وصلت إلى البيت.. بدأت أشعر بالطمأنينة والأمان.. وأخذت أسائل نفسي: ما هذه الفرقعة الشديدة؟ آه.. تذكرت.. لقد قرأت ذات مرة أن الجني –أي جني- يحدث فرقعة هائلة في حالتين :

حالة الظهور.. وحالة الاختفاء. فهذه إذن فرقعة الاختفاء.

لقد اختفى الجني عندما سمع  صراخي: يا شاويش.. يا شاويش.. ولكن هل يخاف الجني الشاويش.. وهو بشر؟! لا أدري.

ألقيت نفسي على سريري مثقلا بالإعياء , وخوف ممزوج بالشعور بالذنب لأنني خالفت نصيحة والدي. ولكني شعرت بشيء من الزهو؛ فأنا أول من رأى الجني  الأبيض، ورحت في نوم عميق، وأنا استعجل الصباح حتى أروي للناس ولزملائي السبق الذي خصني الله به، وهو رؤية الجني الأبيض.

ولم يوقظني إلا صوت أمي:

-       الله!! ضاعت منك صلاة الفجر، فهل ستضيع صلاة الجمعة أيضًا؟!!

توجهت إلى مسجد (أبو خُودة) القريب من بيتنا، لم أع كلمة واحدة من خطبة الجمعة.. فالصداع يكاد يحطم رأسي تحطيمًا. وانتهت الصلاة، وأمام المسجد تجمع عدد كبير من الناس.. دفعني حب الاستطلاع أن أتجه إليهم.. وقلت في نفسي: "إنها فرصة لأحدثهم عن السبق الذي حققته برؤية الجني الأبيض"، ولكني سمعت أحدهم يقول:

-لكن الحمد لله.. الشاويش منصور قبض على اللصين الخطيرين.. إنهما فلان وفلان من أرباب السوابق. سألت صاحبنا: أيه الحكاية؟

-الحاج حمزة كان في القاهرة.. يظهر أن اللصين كانا على علم بسفره، تسللا إلى البيت بعد منتصف الليل لسرقة " شنطة" المشغولات الذهبية، فتشا البيت كله فلم يعثرا عليها، لم يعد أمامهما إلا دولاب أبيض محكم الإغلاق وضعه الحاج حمزة في المطبخ لإيهام اللصوص أنه "نملية" لحفظ الطعام والأطباق , واستنتج اللصان –بسبب القفل الكبير الذي يحكم إغلاق هذا الدولاب- أن شنطة الذهب بداخله، حاولا فتحه.. فلم يوفقا.. فهداهما تفكيرهما إلى حمل هذا الدولاب الأبيض إلى مكان مهجور آمن لفتحه دون أن يشعر أحد. وبعد أن غادرا البيت، وابتعدا عنه سمعًا فجأة صوتًا يصرخ:

يا شاويش.. يا شاويش. ...

فخافا، وجريا بالدولاب، ولكنهما اصطدما بحائط في الطريق، فسقطا جريحين.. وتحطم الدولاب , وأحدث فرقعة عالية أيقظت سكان الشارع.. وكانت الشنطة فيه فعلا.. وأسرع "الشاويش منصور"، وألقى القبض عليهما.

سألت الراوي:

-       لكن مين الشخص الذي كان يصيح: يا شاويش.. يا شاويش؟ هل عرفوه؟

وجاءني الجواب من الواقفين في نَفَس واحد: جرى أيه يا فلان؟ هو فيه غيره ؟ ؟ .. طبعًا " سيدي سلامة" صاحب الضريح المجاور للبيت.. ولي من أولياء الله.. سره باتع.. حقيقي سره باتع.

وسحبت قدمي.. عائدًا إلى البيت وأنا أشعر بخيبة الأمل.. وأردد بيني وبين نفسي.

- صحيح.. مفيش غيره.. إنه سيدي سلامة.. سره باتع.. سره باتع.