هدف الثعلب
ياوز آجار /تركيا
قبل سنواتٍ سحيقة، كانت هناك غابةٌ جميلةٌ وراءَ جبل "قاف".
كان كلُّ الحيواناتِ يعيشون بهذه الغابة في أخوة وصداقة. وكان جميعُهم سعداء هناك.
والثعلبُ الذي نعرفه بحيلته ومكره، كان يحسد سعادةَ الحيوانات هذه. وقد سيطرت على الثعلب فكرة:
«ماذا يجب عليّ أن أفعلَ لأدمِّر هذه السعادةَ؟!»
كان يفكر في نفسه هكذا.
فيوماً من الأيام، خطرت على قلب الثعلب فكرة، حيث فكّر أنه قادرٌ على إلقاء العداوة والبغضاء بين الحيوانات، بنشر إشاعات كاذبة فيما بينهم. وقد بدأ يعمل سراًّ.
بعد ذلك مضت عدة أسابيع، وأخذ الحيوانات يحسدون بعضهم بعضاً فعلاً.
كان يقول لكل حيوانٍ قام بزيارته:
-أحسنُ وأنجحُ حيوانٍ في الغابة أنتَ! والآخرون يحسدونك.
وقام الثعلبُ بزيارة كلِّ حيوان واحداً واحداً. وصار جميعُ الحيوانات في الغابة يظهرون عداء وبغضاً للآخر.
وما مضى وقت كثير حتى اطلع الأسد، ملك الغابة، على ما يجري، فشرع يبحث عن حل لهذه القضية. إذ بذل جهوداً ذهنية جبارة ليجد طرائق ووسائل للعيش في جو من الأخوة والصداقة والسلام، كما كان في السابق، حتى استقرّ رأيه على تنفيذ خطة قائلاً في نفسه: «الأحسنُ أن نجري امتحاناً بين الحيوانات، بذلك نختار أحسنَ وأنجحَ حيوانٍ في الغابة».
ثم أعلن قرارَه هذا للحيوانات.
وبعد ذلك، نهض الجميع يستعدون للمسابقة. أما الثعلبُ فكان يضحك بخبث ويقول في نفسه:
«ها ها ها! كيف نجحت في بَثِّ العداوة والبغضاء بين حيوانات الغابة» مفتخراً بعقله وذكائه.
وحُدِّدَ يوم للامتحانِ في الغابة الجميلة. ثم أنهى الجميعُ ترتيباتِهِ الأخيرةَ. وحان موعدُ الامتحان.
أُقِيمَ الامتحانُ الأولُ في مجال السباحة، فنجح فيها السمكُ بالدرجة الأولى، بينما الأرنبُ كاد أن يغرِقَ ويموتَ، لولا أَنْجَوْهُ بصعوبةٍ.
أما الامتحانُ الثاني فأجري في مجال الطيران، فحصل الطيرُ فيه على العلامة العليا. ولكنّ الأفعى قد سقطت من عَلٍ وسبّبت ألماً في ظهرها حين تحاول الطيران. وهي أيضاً كادت أن تموت.
وأما الامتحانُ الثالث فجرى في مجال سباق العَدْوِ والجَرْيِ، فسبق النَّمِرُ جميعَ الحيواناتِ، إذ جاء بالدرجة الأولى، في حين أن الطير جرح رجلَه.
وهكذا... استمرَّ الامتحانُ أياماً كثيرة على هذا المنوال، فحُصِّلَتِ الدرجاتُ الأولى والعلامات العليا في مجالات مختلفة. ولكن لَمْ يَفُزْ أَيُّ حيوانٍ بالدرجة الأولى في جميع المجالات، فتَشَوَّشَتْ أذهانُ الحيواناتِ أمامَ هذه النتيجةِ واحتاروا في أمرهم. ولذلك قام ملك الغابة، الأسد، بترتيب حفلة لإعلان نتائج الامتحان، حيث كان سَيُعْلِنُ من جاء بالدرجة الأولى في ختام هذه الحفلة.
وقد بدأ جميع الحيوانات ينتظرون – وعلى رأسهم الثعلب – النتائج بفارغي الصبر.
اجتمع الحيوانات بالغابة في الميدان الذي تقام فيه الحفلة، وقد أُحْضِرَتْ من جميع أنواع الأطعمة الشهية، والأكلات اللذيذة، والفواكه الجميلة المجلوبة من الغابة، ووضعت أمام الحاضرين.
هذه الحفلة كانت جائزة لكل الحيوانات.
أخذ الحيواناتُ أماكنهم المخصصة لهم بعد الأكل والترفيه، وبدأوا ينتظرون خطابَ الأسد.
اعتلى الملك، الأسد، على مكان عال، وألقى نظرات على جميع الحيوانات بفخر وأبهة، ثم قال:
-أيها الأصدقاء! أهلاً وسهلاً إلى حفلات الغابة الجميلة وأيام الطرب!
صفَّق جميع الحيوانات للأسد.
ثم تابع الأسد حديثه:
-لقد ذكرت هذه الغابة التي نعيش فيها منذ سنوات، كغابةِ أمنية وسعادة وأخوة. وسعى كل فرد من هذه العائلة الكبيرة لمساعدة أخيه الآخر ومساندته. وأتمنى أن نواصل العيش هكذا بعد ذلك أيضاً. ولقد أُزْعِجْناَ قبلَ أيامٍ قليلة، بالإشاعات الباطلة التي انتشرت بيننا. ولكن هذه الإشاعات ليست بمهمة حسب رأيي؛ لأن القابلياتِ والاستعداداتِ التي نمتلكها مختلفةٌ بعضُها عن بعض. وإنا نصبح ناجحين ومفلحين بِضَمِّ هذه القابليات إلى الأخرى. ولقد كان وسوف يكون هناك من يحسد أُخُوَّتَناَ تلك من وقت لآخرَ.
وبدأ يحمرّ وجهُ الثعلبِ المحتال المكّار بعدما تفوّه الأسدُ بهذا القول المومئ، وأخذ يكلِّم نفسه خائفاً من افتضاح نيته:
«يا خسارة! سيبين الأسدُ بعد قليل ما خطّطت لفعله. وهم سيوبخونني قبل أن أصل إلى هدفي».
وكان الأسد يواصل حديثه أثناء ذلك:
- فَالْيَعِش أخونا الثّعلب لإجبارنا على هذا الامتحان! وقد انتهت الامتحانات، وتبينت النتائج. واكتشفنا أن كل واحد منا قد نجح في مجال من المجالات، ولم يأت أحد بالدرجة الأولى في كل المجالات. وذلك لأن خالقنا سبحانه وتعالى متّع كل فرد منا بمهارات وقابليات واستعدادات مختلفة متنوّعة، كما وهب أيضاً أدوات وِفْقها لنحقّق الغاية من وجودنا على هذه الأرض، ألا وهي العيش وفق القوانين الإلهية في الكون والحياة من خلال تطبيق قانون «التسخير وتقسيم الأعمال».
-والآن سأعطي كل واحد منكم جائزته.
وقد منح الأسد فعلاً لكل من أتى بالدرجة الأولى هديته. وبدأ جميع الحيوانات يطلقون هتافات الفرح والسرور. وقام الجميع لتهنئة أخيه الآخر. وعاد كلهم يعطي صديقَه الآخرَ قيمةً وأهميةً أكثر من السابق.
بينما كان يستمر الفرح والطرب، قام الأسد ببيان آخر:
- أيها الأصدقاء! ينبغي أن لاننسى تقديم الشكر للثعلب الذي سبّب لنا العيش يوماً كهذا، إذ لوجوده بيننا حكمة!!
- لو لم يسبّبِ الثعلب خلق جو لهذه الامتحانات لما اكتشفنا الفروق الفردية بيننا، وتفوقات وميزات بعضنا على بعضنا الآخر في مجالات مختلفة.
وقال للثعلب متوجهاً إليه:
- أيها الأخ الثعلب، نشكرك! نشكرك على أن جعلت كل الأصدقاء يشعرون ويحسّون بحب ومودة تجاه بعضهم بعضاً.
أصبح هذا الحدث درساً مريراً للثعلب، وعبرة لحيوانات الغابة. إذكان قد حاول أن يوقع بين الحيوانات عداوة وبغضاء، ولكنه باء بالفشل، وانقلب الأمر عليه. وذلك لأنه انتهى الأمر إلى أن ترسخت روابط الأخوة والصداقة فيما بينهم كالجبال الراسيات. وفضلاً عن ذلك، فقد نال جميع حيوانات الغابة بجائزة ما إلا الثعلب، فإنه لم يحصل على أي جائزة.