حذاء لكل الطرق الملتوية
حذاء لكل الطرق الملتوية
قصة / يسري الغول
هجير يلفحني ، قدماي في انهماك تام ، أسير دون أن أبالي قيظ الأيام ، و حذائي لا ينقطع . دربي طويل ، أسلكه مع غبار الطريق ، تراب يتعبق شذاه في شعري الذي امسده و اغسله للمرة اللف ، ابتسم ، أدندن بأغنية تجول بخاطري ، أتأمل ظلي و وعورة المكان ترهبني ، أبحث عن عنواني الذي أقصده ، أحدق باللافتات دون أن أدرك مكاني ، أشعر بالتيه ، أفكر بالعودة إلى مرتعي لكن أمل باهت يلوح فجأة في خاطري ، أحدق بالوجوه ، المساكن ، العالم من حولي ، أدرك أن أمامي طرق كثيرة للوصول إلى مبتغاي ، أسير و قدماي تتمزقان ، ألفظ حمماً ، لم أغير ذلك الحذاء و لن أغيره أبداً ، لم يعني لي انه السبب في فشلي الأول أو الثاني ، أتمتم و تراودني أطياف الذكرى " أهل سيكون هو الفشل الأخير مع حذائي ؟ " و تصفعني الذكرى ، حين ذهبت لأخطب في المرة الأولى كان أصيل النهار يتألق كعذراء تنضح بالأنوثة ، و وصلت ، ولجت منزل الجيران و الحذاء يؤرقني ، يؤلم قدمي التي لم تألف ذلك النوع من الأحذية أبداً ، قبلته على مضض من زميلي الذي أهداني إياه قبل هروبه من مخيمنا إلى مدن اكثر جمالاً و رقه ، أخذته بدلاً من حذائي المهترئ و لبسته ، و لم أخطب ، غادرت المنزل فزعاً حين غاروا علي كقذيفة هائجة ، أضحك ، لا زلت أذكر الحذاء الأصفر و الأحمر و الكندرة ذات الكعب الطويل ، الله ما أجملها من فلقة ، أضحك بجنون و من في الشارع يتأملون جنوني ، كسرت قدمي اليمنى ، فتركت الحذاء و السير على رصيف الأيام فترة قصيرة ، لتنتهي قصتي مع الجيران .
بالأمس ذهبت متيماً إلى رفيقتي في الجامعة كي أخطبها ، نعم ، كي أخطبها على سنة الله و رسوله الكريم ، لم أكن وافر الحظ و لا اعتقد أني كذلك أبداً ، تكفيني فقط عزيمتي التي لا زالت كالحديد ، أطرق فكري ، سأبحث فأنا لا أريد الحرام ، آه من زميلتي ، سامحها الله ، حين رأيتها كانت تحاول قطع الشارع الممتد إلى الجامعة ، سلّمت عليها، كنت اشعر بأنها تنفر مني . استعذت بالله من وساوس الشيطان و أقوال المرجفين ، تحدثت إليها ، أخبرتها بنيتي الزواج منها و الحذاء لا يزال يطن في رأسي ، يزلزلني بالألم ، تبسمَت ، ضحكَت ثم وافقت بأن أزورهم ثم تعيرني هناك الجواب . اضحك الآن حين أتذكر ما حدث ، ضحك هستيري يتردد صداه في داخلي ، وصلت جدران منزلهم الضخم و تمائم جدتي لا تزال عالقة في لساني ، طرقت الباب مرات و مرات ، لم يفتح لي أحد ، فكرت أن اضرب الجرس ، و فعلت ، و ليتني لم افعل ، خرج جميع إخوانها واحداً ، واحداً ، بصقوا في وجهي ، ضربوني ، ثم طردوني و هم يشتمونني . كان كبيرهم القبيح يصرخ :
- أتريد أن تتزوجها يا ابن ال………… .
و رذاذ الدم يتناثر من بين بقايا الأسنان ، ثم ها أنا الآن أحاول من جديد و لن أيأس ، لا اعلم إن سأوفق هذه المرة أم لا ؟ أشعر أن حذائي لن يخذلني ، فتعاريج الممرات الضيقة التي لم أنساها، و تهاويم وجهي تبشر بخير قادم ، أنا لم أتألم اليوم كثيراً من حذائي ، لكن العرق ما يسيء إليّ فرائحتي نتنة جداً ، سأحاول العثور على المكان ، لا أعتقد أن عيني الباقية ستعجز على أن تعرف سقف بيتهم و الغرفة الواطئة ، سأصل ، نعم ، سأصل بعزيمتي التي أبقت لي القدم اليسرى وحيدة و الأطراف الباقية من الأخرى ، سأبحث حتى أدرك قرينتي ، نعم سيكون ذلك و سترون .
فلسطين
مساء الجمعة 18 / 2/ 2005