الباب المغلق
الباب المغلق
لبنى ياسين/دمشق
يقترب منها حتى توغل أنفاسه في عناق أذنها و رقبتها , يوشك أن يعانقها ,تنبثق من شغاف قلبه كلمة (لا تتركيني) لكنها تتيبس على لسانه ... و ترفض الشفتان الإفراج عنها , تستدير اثر شعورها بأنفاسه الدافئة... تفيض عيناها بدموع ...كأمطار نيسان , تختفي من وجهها فجأة كل الملامح التي يحبها ... و لا يرى سوى الدموع و الأسى , تلتقي نظراتهما تتشابك لوهلة ... تهرب بعينيها منه و يستدير هو متظاهرا ً بأنه ما اقترب منها إلا لانه يريد الخروج من الغرفة حيث تقف حائلا بينه و بين الباب ... و إذ تدرك مناورته ... تبتعد مباشرة عن الباب , مبتلعة حزنا بوسعه أن يغرق الأرض ... مشهرة كبريائها في وجهه, تسربلت قدماه نحو الباب تلقائيا , و خرج و هو يغلقه وراءه , مغلقا آخر فرصة للحوار بينهما بنفس الباب .
أتمت هذه الكلمات و أغلقت الدفتر كانت تنتظر عودته منذ اكثر من ساعتين ... و لسبب ما - ربما يتعلق بحاسة أنثوية تتعشق الروح الحائرة أجاد هو رعايتها بأفعاله الرعناء – كانت تدرك في أعماقها انه الآن مع أخرى ... و بشكل غريزي كانت تعلم ما سيقوله أو قاله لتلك ... سيقول لها انه يحبها كما لم يحب يوما ... و أنها فتاة أحلامه ... و انه متزوج مع وقف التنفيذ ... سيدعي أن زوجته الفاضلة جدا لا تنتمي إلى عالم الأنثى و لا تشبه النساء ... و بأنها لا تحمل أنوثتها إلا في الهوية الشخصية ... سيخبرها أيضا أنها امرأة عقيم و أن انتظاره طال لطفل يحبو في المنزل ... طفل يحمل اسمه و يناديه بابا ... سيخبرها أن شهامته و رجولته جعلاه يتحمل ذلك لاكثر من عشر سنوات دون أدنى تذمر ... بالطبع لن يقول لها انه يقضي جل وقته خارج البيت و انه لا يدخله إلا و هي نائمة ... إلا إذا كان يقضي كل هذا الوقت مع تلك الأخرى ...
أدماها الحوار المفترض , و انبرت تخلع الثوب الأنثوي الرقيق و رمته في الخزانة مع بقية الأثواب التي اعتادت أن ترمى دون اكتراث اثر كل انتظار عقيم لحضوره تلك الأثواب التي لامست جسدها اكثر مما لامسه هو ... و لو دون قصد ...بينما اختلس عطرها نسمة أهدته إياها حركة الثوب الغاضبة ...ففرش جسده الشفاف على أركان الغرفة ...ألقت جسدها بملل فاضح على السرير ...تتبادل فوق جثمانه مع أفكارها فنجان خيبة من الأمل لم يكن الأول و لا الأخير.
بعد ساعات ...أدار هو المفتاح ... وولج داره ...كان تعبا لكثرة ما جال بالأزقة و الطرقات و ارتمى في أحضان المقاهي المرتمية على الأرصفة ...هربا من المنزل ...كان مرهقا تماما , يتوق إلى لقاء فراشه في عناق يأخذه إلى عوالم أخرى ... عوالم سعيدة ...فجأة وقعت عيناه على جسدها الذي يفترش السرير بحرية ... نظر إليها بحنان , تناسى كل ما كانت تقذفه به من اتهامات و شعر بحاجة ماسة لعناقها ...عادت ذاكرته إلى بداية زواجهما ... كانت رقيقة كزهرة ياسمين ...ما الذي غيرها و قلبها بهذا الشكل؟؟ هل يعقل أنها تخاف أن يتركها بعد أن علم أنها عقيم ؟ هل تظن أن مشاعره ستتغير اثر خبر كهذا ؟؟ و هل لأي خبر سلطان على المشاعر و الأحاسيس ؟؟ تراها تظن أن ما بينهما هو عقد أحمق على الورق فقط...و لا تدرك أنه عقد من المحبة و الشوق و العشرة... من الحزن و الفرح... من اليأس و الأمل و الغضب و الرضا ...عقد من المشاركة بكل أفراح الحياة و أتراحها... عقد من عمره و من عمرها ضم اجمل حبات هذه المسبحة من العمر... أمعن النظر إليها فوجدها تلك الفتاة الرقيقة التي كانت منذ اكثر من عقد من الزمان تحمل له بين يديها أشرطة فيروز التي يحبها وتصر على إسماعه هذا المقطع أو ذاك... أو تصر على ارتداء ذات اللون الذي يرتديه بطفولة واضحة المعالم ... شعر على حين غرة بسيل جارف من الحب ينبثق نحوها... و بركان من الأحاسيس الدافئة يتدفق باتجاهها , اتجه نحو المطبخ ليصنع فنجانين من القهوة و يوقظها ... ليفتح باب الحوار الذي اغلق بينهما منذ أمد بعيد .